محمد عبد الرزاق القشعمي
كثر الحديث وتشعب وطال الجدل حول حديث أو تعليق سماحة الشيخ عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء حول لبس العباءة، وأيها أفضل على الرأس أم على الكتف في مسألة الحجاب، والذي قال إن المطلوب منه الستر وليس نوع اللباس المستخدم. وهذا الكلام الذي تفضل به الشيخ جاء ضمن سياق حديث طويل كما يبدو.. فتلقفه من يريد أن يصطاد بالماء العكر، وانتزع أو ابتسر الجزء المثير للجدل على طريقة {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ}، ولم يوضح مقصد الشيخ المطلق الذي يهدف إلى التيسير والستر.. وكلام فضيلته لم يوجه فقط لبناتنا وأمهاتنا هنا، بل إن حديثه يسمع في جميع أنحاء العالم، فهو يتكلم بواسطة المذياع ويسمعه أضعاف أضعاف من يسمعه في المملكة - وهناك لا يعرف ما اصطلح على تسميته بالعباءة، وحتى لو قال شيئاً غير مألوف لديهم فقد ينفرهم ويكون مدعاة للسخرية.. وقد أوضح سماحته مقصده في بيانه اللاحق والذي يرد على من استنكر حديثه.
لعل هذا يدعوني لذكر ما كان قبل نصف قرن عندما طلب والدي - رحمه الله - أن نلحق به حيث يقيم بالرياض. وكنا نعيش في قرية (معقره) بالزلفي، فذهبت والدتي - رحمها الله - تسأل بعض نساء القرية واللاتي سبق سفرهن فعرفت أنه يلزمها لبس عباءة لأن نساء الرياض كلهن يلبسنها، وهو لباس غير معروف أو مألوف بالقرية، إذ تلبس المرأة ثوباً طويلاً له إكمام طويلة فوق (الدراعة) وهو اللباس الذي تلبسه - عند وجود ضيوف، أما في المنزل والمزرعة فتكفي بالدراعة والغدفة غطاء الوجه -.. وقد وجدت أخيراً من يسلفها عباءة، وحضرت بها للرياض عام 1371هـ. وقد قرأت أيضاً في إحدى روايات الراحل عبدالعزيز مشري إن والدته اضطرت للذهاب إلى الطائف للعلاج من قريتهم بالباحة (محضرة)، وأنها لم تعتد على لبس العباءة مما اضطرها للبحث عمن يعيرها العباءة.
وهذا الجدل البيزنطي الذي تجاوزه الزمن يعيدنا إلى ما سبق أن سمعناه من شيخنا علي الطنطاوي - رحمه الله - في حديثه المتلفز، وضمنه إجابته على أحد الأسئلة: هل يجوز لبس المرأة للبنطلون أمام زوجها؟
فجاء جوابه قاطعاً، ولماذا لا تلبسه.. بل يحق لها أمام زوجها أن تخلعه.
وأختم هذا الكلام المختصر بأن هذه التعليقات لن تعيق الشيخ أو تمنعه من إيصال رسالته التي يقصد منها السعة في الأحكام والتيسير على الناس حتى لو كان ذلك مخالفاً لبعض ما تعارف عليه الناس واعتبروه جزءاً من التقاليد السائدة، فالمجتمع قد تغير وأصبح يتبرم من التقاليد المتشددة. والتي عفى عليها الزمن.