خالد بن حمد المالك
عندما يتوقف هدير المعدات العسكرية، ويحجم المتفاتلون عن إطلاق النار، وتأخذ مختلف أنواع الأسلحة طريقها إلى المخازن، وتختفي مشاهدتها في الأرض والجو والبحر، بما يعني أن الحرب قد وضعت أوزارها في سوريا الحبيبة.
**
وعندما يأخذنا الخيال بنا هكذا، ونتصور أن حلماً جميلاً يمكن تحقيقه وقد زُف لنا بالفعل، وأن سنوات القتال الذي نال ضرره البشر والشجر والحجر قد أصبح من ذكريات الماضي الأسود، عندها سوف نتنفس الصعداء، ويتذكر الشعب السوري كم كان نظامه غبياً ومتآمراً وقاتلاً وهو يقبل أن يحل بسوريا ما حل بها من دمار وقتل.
**
عند ذلك سوف تتقاطر الأسئلة المجنونة، ويتحرك العقل، ويحضر الوعي، ويأتي تباعاً التفكير بما هو آت في ظل السكون الذي يكون قد خيّم على سوريا، دون أن تكون لأهلها حيلة لإعمارها، أو قدرة للوصول إلى جثث الشهداء الذين لاقوا حتفهم في معارك ظالمة، وبقوا إلى اليوم بين الانقاض جثثاً متعفنة.
**
أول الأسئلة سيكون عن مصير الدول والأحزاب والأفراد وجميعهم -بما فعلوا- مجرمون، هل سيتركون سوريا لقدرها، ويغادرونها من حيث أتوا، أم أن ثمن هذه المشاركة في قتل الناس وتدمير البلاد أن يبقوا متمسكين بالأرض التي ساهموا بجعل كل مبنى جميل أقيم فيها وقد أصبح أنقاضاً وتراباً تذروه الرياح.
**
وهل من قوة قادرة على طرد هؤلاء القتلة الغرباء عن سوريا - هذا سؤال بصيغة أخرى؟! - بعد أن عاثوا فيها فساداً وتدميراً وقتلاً دون هدف، فيما عدا أنها منطقة صراع بين القوى المتحاربة، بينما يبصم نظام الأسد لهم بالعشرة في قتل المواطنين السوريين وتدمير البلاد إذا كان في ذلك ضمان لاستمراره رئيساً لدولة منهكة وغير قابلة للحياة!.
**
الحرب لم تنتهِ بعد، وما زال الطريق طويلاً، فاللاعبون الكبار والصغار على حد سواء ما زالت شهيتهم قوية وراغبة في شم روائح شواء لحوم الأشقاء السوريين، وكذلك من جاء غازياً من الغرباء إلى سوريا لكي يكونوا جزءا من المشهد والقيام بدور في هذه الجرائم التي لا مثيل لها في التاريخ الحديث.
**
هنا في سوريا، كلٌّ يتحدث عن أنه لن يترك سوريا للمجهول، بعبارة أخرى وكأنهم يقولون لنا إننا باقون فيها طالما لنا مصالح وأهداف لم تتحقق بعد، وأن الحرب في سوريا لا تنتهي باختفاء صوت المدافع، وتوقف حمم القذائف والصواريخ من الجو، وإنما هي معركة نجسة لا يكفي تطهيرها بأن يكون الانسحاب بعد كل ما جرى.
**
سؤال جديد: أي معركة نتحدث عن توقفها، وأي حرب نسأل عن نهايتها، وأي ترتيبات نتوقعها إثر ما جرى من حرب وحشية ليس فيها ما يمكن فهمه إلا أنها معركة عبثية وبلا أخلاق أو إنسانية، وليس هناك من مستفيد منها إلا اللاعبون الكبار فيها: إيران وحزب الله وروسيا وتركيا ونظام بشار الأسد، ومن لف لفهم.
**
لا تنتهي الأسئلة عند هذا الحد، فيا للهول مما تراه العين ويحدث في سوريا، ويا للعار من تاريخ يتحدث عن جرائم بهذا السوء، وما أشقى السوريين الأحياء إذ يجدوا بلادهم محطمة، ومقضيًّا على كل جميل فيها، فيما أهلهم من الشيوخ والعجائز والشباب والأطفال رجالاً ونساءً تحت الأنقاض، تتحدث أجسادهم إن تم الوصول إليها ذات يوم عن جرائم حرب لا مثيل لها في التاريخ.