د. جاسر الحربش
أولئك الدعاة الدكاترة في ثياب علماء الذين يقدمون عجائب المخلوقات وغرائب الظواهر على القنوات الفضائية العربية يصفهم المشاهدون بأنهم علماء حقيقيون. إن كل ما يقدمونه مأخوذ من وثائقيات علمية غربية بعضها عمره أكثر من نصف قرن، ولا يضيفون من فكرهم واجتهادهم غير تعليقات ساذجة باللغة العربية، فهم متطفلون على علوم الآخرين. هل يضيف أي واحد منهم للمشاهد إنجازاً علمياً يعود لمختبره أو معهده البحثي، أم أنه يتصرف كالبائع في البقالة، يبيع مختلف الأشياء المستوردة مقابل المال وفي آخر المساء تمتلئ حصالته بالنقود. أما مسألة الرجوع إلى صاحب الحق الحصري والحصول على إذنه قبل استخدام إنجازه العلمي فتلك مسألة غير واردة بدليل انعدام ذكر المراجع العلمية.
هل اكتفاء المشاهد العربي بالتسبيح والتعبير عن الإعجاب دون إعمال التفكير في المجهود المضني الذي بذله أولئك السابرون لأسرار الكون هو التعبير المناسب بمعنى الإيمان العقلي المطلوب بالنص المنزل؟ هل اكتمال التدين المنصوص عليه في القرآن الكريم هو التصديق فقط والإعجاب بقدرات الله اللا محدودة، ثم التبضع في أسواق الأمم المبدعة في العلوم والصناعات؟
أعتقد بكل تواضع أن هز الرؤوس والجهر بالتسبيح بعد التعرف على اكتشاف علمي مذهل أو ظاهرة مميزة أو على كائن مجهري أمكن الإطلاع عليه فقط بعد أن اخترع عالم غربي المجهر الإلكتروني الذي يكبر الشيء نصف مليون مرة، أن ذلك ينطبق على الإيمان السلبي. الإيمان الكامل يتطلب التأمل والتفكير وسبر أغوار الكون وما فيه من ظواهر ومخلوقات، لإعمار الأرض وخدمة الحياة وليس فقط الأكل والشرب وتأدية فروض العبادات.
تلك البرامج في الفضائيات العربية التي تقدم للمشاهدين أطباقاً علمية مستوردة من الخارج بالغة الإدهاش، ليست برامج تحفيز علمي وإنما مخدرات علمية تقدم في معلبات التسلية لتمرير الدعايات التجارية في الفضائيات كل خمس دقائق. إن ما يحتاجه المشاهد في بلد متأخر علمياً ومرتاح معيشياً هو تقديم المادة العلمية بهدف التحدي والتحفيز العقلي، وذلك يتطلب برامج تركز على الأساسيات العلمية المبسطة التي أوصلت العلوم إلى صنع ما يشبه المعجزات، فلعل هذه البرامج تجعل مواهب خاملة ترفع رأسها وتتساءل لماذا هم يكتشفون ويخترعون ونحن نكتفي بالإعجاب وهز الرؤوس.