محمد خالد الخنيفر
تعيش أسواق الدين العالمية واقعاً جديداً هذه الأيام.. فبعد سنوات طويلة من الاقتراض المنخفض التكلفة، بتنا قريبين الآن من نهاية تلك الحقبة، والدخول بشكل تدريجي نحو مرحلة ارتفاع تكاليف التمويل. ونظراً لارتباطنا الوثيق بالدولار ودخول أحد مؤشرات القياس في مكونات تسعير أدوات الدين، فإنه من الطبيعي أن يتم تمرير «تلك الزيادة» في كلفة التمويل إلى ديوننا الدولارية والمحلية. وهذا شيء خارج عن إرادتنا.
بالنظر إلى عوائد الصكوك الحكومية التي تم طرحها في يناير وفبراير (ومن دون الدخول في التفاصيل الفنية)، نجد أن معدل عوائد صكوك 2017 هو 2.87 % للصكوك الخمسية و3.26 % للصكوك السبعية و3.55 % للصكوك العشرية. وعند إجراء مقارنة مع عوائد صكوك يناير 2018 (الموجودة تفاصيلها بموقع مكتب الدين العام) نجد أن صكوك الخمس سنوات أصبحت مكلفة على خزانة الدولة وذلك بـ 38 نقطة أساس وتبعها صكوك العشر سنوات بـ 30 نقطة أساس ثم صكوك السبع سنوات بـ19 نقطة أساس.. أي أن معدل زيادة كلفة الاقتراض قد ارتفع مع مطلع السنة الحالية بـ 29 نقطة أساس لكل شريحة. وهذا شيء طبيعي عندما ندرك أن عوائد سندات الخزانة الأمريكية للخمس سنوات هي الأعلى منذ 2010.
لعل الشيء الإيجابي الذي بدأت ألاحظه هو استمرارية انخفاض الهوامش الائتمانية (Spreads) للسعودية. والهوامش الائتمانية هي جزء من منظومة التسعير النهائي لأدوات الدين.
تقنين ارتفاع تكاليف الإصدار
- أتمنى من وزارة المالية النظر في إصدار صكوك الثلاثين سنة التي لم تتأثر كثيراً بالتقلبات الجارية مع الشرائح الأخرى. وكذلك تقنين إصدارات الديون الخمسية.
- أتمنى الإسراع في تداول الديون السيادية بالسوق الثانوي، والعمل على إيجاد تداولات نشطة لكي نعتمد على «مؤشر قياس سعودي» مع تسعير ديوننا السيادية.
- العمل على فتح المجال لدخول المستثمرين غير السعوديين من أجل الاستثمار بالديون السيادية واعتماد آلية بناء الأوامر مع أطروحات أدوات الدين الحكومية.
تعافي الديون الدولارية
في الوقت الذي تقرئون فيه هذه الزاوية، تكون أدوات الدين السعودية في طريقها للتعافي من عمليات البيوع التي شهدناها في الأسابيع الماضية.. ولكن هناك قصة ما تدور حول تلك الديون التي اكتشفناها عبر أحد الباحثين من بلومبرج والتي نرى أنها تعطينا تفسيرا منطقيا لعمليات البيوع وأكدت لنا أن هذه البيوع ليس لها علاقة بالجدارة الائتمانية لتصنيف المملكة. الذي حصل هو أن شركات إدارة الأصول التي تستثمر بالأسوق الناشئة (تشمل الخليج) أرادة تسييل سندات الدول ذات التصنيف المنخفض ليتفاجؤوا باضمحلال سيولة تلك السندات (نظراً لانخفاض أحجام تلك الإصدارات)، عندها قرروا التوجه نحو السندات الخليجية (عالية التصنيف والسيولة) من أجل التسييل وتوفير السيولة. وعليه أصبحوا مضطرين للتضحية بأفضل مالديهم بمحافظهم من أجل مقابلة طلبات التخارج التي جاءتهم من ملاك صناديق الأسواق الناشئة. هذا الأمر ساهم في ارتفاع عوائد أدوات الدين السعودية وانخفاض أسعارها (برفقة بعض الدول الخليجية).
مستجدات صكوك الأفراد
تم تأكيد أننا سنشهد هذه السنة طرح أول صكوك حكومية مخصصة للأفراد، في خطوة جوهرية ستساهم في تعميق أسواق الدين بالمملكة ونشر ثقافة «الصكوك الادخارية» بين المجتمع. وفي الوقت الذي ننتظر فيه أن نحصل على تفاصيل أكثر حول هذه المبادرة الوطنية للمساهمة في دعم المشروعات التنموية للبلاد، نتساءل إذا ماكان هناك توجه نحو طرح صكوك الثلاثين سنة التي ستحمل معها ارتفاعاً في عوائدها، مقارنة مع العوائد الحالية. وهل سيتم تداول تلك الصكوك بالسوق الثانوية؟.. وهل ستكون هناك تداولات نشطة على مثل هذه الصكوك من أجل إيجاد نوع من المرونة للأفراد عندما يقررون بيع او شراء تلك الأدوات؟.. هل ستكون هناك حملة توعوية تثقيفية بالإعلام من أجل تعريف الأفراد بالصكوك وتشجيعهم للاكتتاب بها؟.