هدى بنت فهد المعجل
الأماني كتلة خيال عصي على التحقق.. عنيد في وجه الواقع، ونستمر فيه.. التمني طمعاً في حياة رغيدة، وعيش رفيع.. وإن رددنا مع المغني:
أماني كل هالدنيا أماني
مثل بحر بلا شط ومواني
أقول الوقت باكر يلتفت لي
وأشوف الوقت في همي نساني
***
ما لم نحظ به نتمناه..!!
وما مكننا منه القدر نتمنى أفضل منه..!!
أما ما أعطاه الآخرين ولم يعطنا هو فأعيننا لا تنفك تتطلع إليه..!!
من المستحيل حصر أمانينا!! لسبب بسيط أن ما نتمناه ويتحقق لنا يسقط من دفتر الأمنيات لتحتل مكانه أمنية أخرى جديدة.
قد نتمنى المعقول، والممكن، والجائز.. ونود اللامعقول، وغير الممكن، والممنوع.. ذلك لأن النفس تشتهي، وتذوب طمعاً، واحتياجاً ولا نمتلك حق حجر الاشتهاء والذوبان الطامع أو الاحتياج.. لأنه شعور معنوي عصي في وجه التكبيل والسجن.. بيد أن ما نستطيع تكبيله هو تلبية اشتهاء النفس وطمعها والاحتياج.. فالأماني بحر ممتد شاسع المدى وفي ردمه غباء لأن الأرض ستحتفظ بشيء من الرطوبة وما تلبث أن ترطب البناء أو المنشأة التي إن لم تتهاوَى.. تشققت وتصدعت.. كذلك هي الأماني في أنفسنا إن حاولنا ردمها ردماً معنوياً بجانب الردم الفعلي، المادي.
نتمنى لذاتنا.. نتمنى لغيرنا ممن نحب.. كما نتمنى للآخرين حينما تفترس أنياب القدر ظروفهم وتعزلهم عن لذائذ الحياة وعسل الأيام.. وبمجرد حدوث التمني؛ تدخل أرواحنا في حفلة سعادة وأنس وبهجة كما لو أن الأماني تحققت لنا.. فكيف هي أرواحنا لو تحققت فعلاً..؟
***
يرهق أغلب البشر غياب الأماني عن دفتر حياتهم لأنهم إلى الواقعية أقرب ومن الخيال أبعد!! وربما امتد بعده عن غرف نومهم.. عن أحلام منامهم النهاري والليلي.. وفي حال اقترابه من أحلامهم، ظنوه كابوساً.. هؤلاء قلما تصافح الابتسامة وجوههم.. شفاههم.. وتشعر وأنت تتخاطب معهم كأنما التشاؤم عقد معهم صفقة حياة..!!
في حين لو أنهم استرجعوا دفتر طفولتهم أدركوا أنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه بالأماني التي إذا لازمناها وسمحنا بملازمتها لنا (بمشيئة الله ستتحقق).. فما الذي اشتمل عليه دفتر طفولتهم؟
***
انتقال الطفل من المهد إلى الحبو إلى المشي مر بتعرجات، وعدة مطبات.. ما إن هجر المهد وحاول التقلب على صدره ثم ظهره حتى فكر بالحبو ويليه المشي.. الأمنية التي عاشت معه وهو يتابع من حوله يمشون ويتحركون.. أمنية دافعها الأمل.. وكثيراً ما باءت بالفشل ولم يتشاءم..!!
يرى المسافة أمامه بعيدة من منطقة وجوده إلى الناصية الأخرى.. وقد لا تتجاوز عدة أشبار ويأمل أو يتمنى اجتيازها.. ويتمكن ولو تعدد سقوطه، وكثرت عثراته.. حيث لا مستحيل في ذاكرة من ديدنه الأمل.. وهاجسه أماني لا حد لها ولا كم أو اكتفاء.. تطول به وتكتنز في صدره وينشغل بها ذهنه طمعاً في تحقيقها بكل الوسائل.. أو تحققها بإرادة من (سبحانه) ومشيئته فيرى الطريق أمامه وعن يمينه وشماله وخلفه مضيئاً مشعاً لا ينطفئ أبداً مهما نام بصره لأن عين البصيرة مستيقظة لا تنام أو تغفو لحظة.
قد لا نتفق مع بيت الشعر أعلاه ونردده!!
وقد نتفق معه ونردده أيضاً!!
حيث إن كل شخص يطوع الفهم وفق ما يود كي تنصاع له السعادة وتلقي بثقلها عليه.. فالإحساس بالسعادة ليس لأن أمانينا تحققت لنا (أخيراً) بل لأن الأماني عاشت معنا ودللتنا بتصويرها المستحيل ممكناً.. والخيال واقعاً بفضل من حفنة أمل ذرت في وجوهنا تبعتها حفنات أخرى.. فتأكد لنا أن الشط والموانئ إن لم نرها بقرب البحر فهي قطعاً في وسطه أو ناحية من أنحائه.