أمل بنت فهد
من أثمن ممتلكات الإنسان التي يعتبرها خطاً أحمر، معتقداته وأفكاره، مهما بدت للآخر سخيفة وسطحية، تبقى غالية عنده، لدرجة أن يعتبر ما يخالفها أو يختلف عنها مرفوضاً ومحل شك وريبة، وهنا تحديداً يعيش الإنسان صراعه الأبدي مع الآخر، ومن يتحرر من تلك العقدة تصبح حياته مختلفة تماماً، كأنما يحلق بعيداً نحو أفق لا يحده سقف، وتلقائياً تنفتح ذائقته وتنضج، ومدى الرؤية عنده يكون على مد النظر، لا يعوقه حاجز، ولا يتعثر بمنخفض.
الإنسان الذي يعيش أغلال المعتقد والفكرة، قليلاً ما تكون من صنعه، بل هي تركة يحافظ على قداستها، ويشعر بالذنب إن قبل المختلف، أو اطلع على ما عنده، يشعر بأنه خائن، بأنه تخلى عن حبل النجاة، وسوف يقع فريسة للآخر، إنه يعيش وهم المؤامرة، كأنَّ تقبُّل المختلف خطيئة، وتهديد لهويته ووجوده، وعندما تحين ساعة الخلاص فإنه يكافح للخروج من شرنقة المألوف، والمتعارف عليه، ولا شك أنه سوف يعاني، لأن كل ولادة يسبقها مقاومة الخروج، مقاومة الحياة، مقاومة التنفس، مقاومة التعري، لأنه سيكون عارياً من العوالق أمام ذاته، فالخوف يحيط بالحدث من كل جانب.
ومن إشكالية العصر الذي نعيشه أن من خرج من شرنقته لا يستطيع أن يتعاطف مع من لا يزال محبوساً فيها، وينسى أنه مر بنفس المراحل، وكان خروجه صعباً، ومكلفاً، ومؤلماً، في سبيل حرية عقله، إنه يمارس احتقاراً خفياً لمن لا يزال عالقاً في أغلاله، ويظهر الاحتقار واضحاً في تصرفاته، مما يؤكد للمحبوس في هواجسه، أن الخطر موجود خارج حبسه، ومن خرج أصبح عدواً محتملاً.
حتى في الحوارات التي نقرأها ونسمعها على مواقع التواصل الاجتماعي، توجد قسوة الرد، والهمز واللمز، ولا يدرك أن من تحرر دخل من جديد في معارك ليس لها قضية ولا نهاية.
وعوضاً عن فضح الأفكار التي غلفتنا ومنعتنا، انقلب الحال إلى فضح الأشخاص الذين يحملون فكراً سابقاً، أي مختلفاً، وهكذا عدنا من حيث بدأنا، ومن سجن إلى سجن آخر.
عقدة الأفضلية عقدة عتيقة، ابتدعها الإنسان يوماً ما، وتورط بها أغلب من جاء بعده، في كل مكان، وكل زمان، بسببها قامت حروب، وتعطلت عقول، وهاجت مشاعر، في تكرار مخيف، يشي بكمية الغباء التي تتوارثها الأجيال.
لن يكون هناك شيء اسمه تعايش حتى نتعلم كيف ننزع من الإنسان فكرة الأفضلية، وصراع الأفضلية، وحماقة الأفضلية، لأنها دخيلة، فالطبيعة لا تكذب، كل الكون يعيش على الاختلاف، بل هو شرط للبقاء، والإنسان جزء من هذا الكون، كيف ومتى خالف القانون الكوني؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
يحتاج الإنسان أن يجيب ليفهم كيف انحرف عن طريقه، وتغيرت حياته من التعايش إلى الصراع.