يوسف بن محمد العتيق
على مر التاريخ الثقافي للعرب والمسلمين لم تتقطع شخصيات تأتي وتقدم مشروعًا ثقافيًّا معينًا. وهذا أمر جميل؛ فهناك شخصيات نبغت في بعض فروع الثقافة الإسلامية نبوغًا كبيرًا، مثل الإمام البخاري في الحديث، وابن جرير في التفسير، وابن قدامة في الفقه، وابن تيمية وابن حزم وابن حجر بوصفهم علماء موسوعيين.. وكذلك شخصيات أخرى، قدمت في اللغة العربية كتبًا وأطروحات لا تُنسى، مثل سيبويه، وأخرى قدمت في علم العروض ووزن الشعر، مثل الخليل بن أحمد. ولا يمكن أن يكون الحديث عن الشعر دون أن يُذكر المتنبي. وهكذا لا يمر وقت دون أن يأتي الزمان بشخصية تاريخية، يكون لها حضور كبير.
وفي عصرنا هذا لا يخلو الوقت من شخصية أو شخصيات لها حضور كبير في وجدان الناس، وربما تكون هذه الشخصية مؤثرة في العلوم السابقة نفسها، أو علوم أصبحت حاضرة أكثر في عصرنا الحديث مثل الإعلام.
وما ذكرته أعلاه معلوم، يعرفه الكثير، بل الأغلب أن في كل عصر شخصيات علمية لها بصماتها، وينهل منها الكثير من شرائح المجتمع.
إلا أن ما أريد إثارته أن هناك شريحة من العلماء والمبدعين والمثقفين قلّ أن نجدها، وهي الشريحة التي تثير التساؤل، وتدعو للتفكير والتجديد، ولا تقف عند المحطة التي وقف فيها من قبلها، بل تجدها تسعى وتبحث لتصل إلى مرحلة أميز عن المرحلة التي سبقها.
ودعوني أضرب مثالاً: لو توقف علماء الحاسب أو صناع السيارات عند أول موديل تم تصنيعه، ولم يتطوروا بالشكل الذي نشاهده الآن.. كيف ستكون الصورة؟!
وهكذا في العلوم؛ لا بد أن يكون التطوير يوميًّا، وعلى مدار الساعة واللحظة عند كل أصحاب تخصص ثقافي وإبداعي. وهذا مربوط بالعزيمة والموهبة، وقبل ذلك تطوير الذات والقراءة الجادة والبحث اليومي.
نعم، مجتمعاتنا تحتاج إلى الباحث الذي لا يقف عند سلفه، بل يتطور ليكون خير خلف لخير سلف.