د. جاسر الحربش
لم يستمر زواج العروسين أكثر من شهر. بعد دقائق من دخول غرفة الفندق فتح كل واحد جواله وبدأ التواصل عبر البحار مع رفاق ورفيقات الدردشة في السعودية. هو يقول إنها هي السبب فبمجرد دخول غرفة شهر العسل أخرجت جوالها وبدأت تتحدث وتتبادل الرسائل مع صديقاتها وتعطيهن تفاصيل الرحلة حتى دخول غرفة الفندق، ثم فعل هو نفس الشيء كردة فعل على تصرف عروسته لأنها لم ترفع عينها إليه أو تعطيه فرصة لتبادل شيء مفيد لحياة عائلية سعيدة. أما هي فتقول إنها كانت تنتظر منه أن يبدأ بالتحدث إليها أو أن يبعد الجوال من يدها ويقترح شيئاً آخر، لكنه لم يفعل فاستمرت في الدردشة.
هذه ليست قصة من نسج الخيال وأتوقع أنها قد تكررت عدة مرات بين العرسان في شهر العسل. لم يعد الهاتف اليدوي مجرد أداة يمكن وضعها على الرف إلى أن تحين فرصة فراغ لا يحتاجها صاحبه لما هو أهم من الأعمال والعلاقات الأسرية والاجتماعية. سرق الهاتف اليدوي المتابعة والجدية حتى في المؤتمرات العلمية والاقتصادية، ووتر العلاقات العائلية بين أفراد الأسرة، وتحول إلى ضيف ثقيل على مائدة الطعام لا يستطيع الشباب والأطفال تناول الوجبة بعيداً عنه. باختصار أصبح الجوال القاسم المشترك الأعظم في كل منزل ومجلس واجتماع.
كل العالم يشكو الآن من الإدمان الإلكتروني، ولا توجد وسائل ممكنة التطبيق في الأمد المنظور للحد من أفعاله التدميرية وخصوصاً في الشؤون التالية: صحياً في السمنة والترهل وتيبس المفاصل وضعف اللياقة البدنية والإجهاد البصري لدرجة تدمير الإبصار واحتمال التسبب في أورام دماغية ونوبات صرع، وربما التسبب في سرطانات الدم والغدد اللمفاوية. أما في تشتت الانتباه والحوادث المميتة أو المنتهية بالإعاقة الدائمة فذلك حديث المجالس. في مجال الانحراف الأخلاقي والتعرض للابتزاز وخصوصاً بين الفئات العمرية الشابة وفي انهاك العلاقات العائلة لدرجة اللامبالاة والعزلة. في مجال العمل يتسبب الجوال في إهدار جزء من ساعات الأداء الوظيفي في القطاعين العام والخاص. هذه مجرد جزئيات من اقتحامات الجوال في حياة المجتمعات. المصيبة تكون أعظم في المجتمعات غير الانتاجية مثل الخليج، حيث وصلت درجة الإدمان الإلكتروني إلى أرقام مخيفة.
بدأ بعض العقلاء يطبقون شيئاً اسمه الخلوة الاختيارية من الجوال، تطول أو تقصر حسب الاقتناع، وأنا أطالب بسحب الجوالات من العرسان الجدد في شهر العسل.