عبدالعزيز السماري
يعتبر قرار وزارة العمل بقصر العمل في منافذ البيع لـ12 نشاطا ومهنة على السعوديين والسعوديات ابتداء من العام الهجري القادم تاريخياً بكل ما تعنيه الكلمة، وسيكون بمثابة النقلة من زمن إلى آخر في تاريخ العمل في الوطن، وسيشمل قطاعات مهمة جدا في قطاعات التجزئة..
عانى سوق العمل الوطني طويلاً من تعدد المصالح الشخصية خارج مصلحة الوطن، وكان العامل الأجنبي بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً للبعض، بينما في حقيقة الأمر لم يكن السعودي المتستر على امتلاك الأجانب للعمل في الأسواق إلا بمثابة تاجر «الشنطة» الذي ينقل الأموال وغيرها من مكان إلى آخر، وحسب ما أراه كان ذلك أحد وجوه عدم الولاء للوطن، فالكفيل المتستر على الأجانب الذي يملكون ثروات الوطن كان يأخذ القليل من أجل أن يكون غطاءً ساذجاً لمصالح الأجانب في سوق العمل.
كانت بوابة الاستقدام أشهر بوابة للاتجار بمصالح الوطن، فقد كان للتأشيرات سوق خاصة ومؤشر تختلف أرقامه باختلاف الجنسية، وكان تداولها سبباً لغنى البعض بطرق غير مشروعة، لكنها كانت أيضاً بمثابة النزيف الذي يدفع بالتوطين وحقوق المواطن إلى أن تكون في أدنى مستوياتها، وكان ذلك استثناء عن بقية الدول، فقوانين العمل في العالم المتقدم متلزمة بحقوق العمل للمواطنين أولاً..
كانت علاقة الكفيل بالعامل الأجنبي والتستر على ملكيته غير المشروعة وغير الموثقة بالمؤسسة أو المطعم أو محل الملابس أو محلات بيع مواد البناء وغيرها تضر باقتصاد البلد، ولو أحصينا تحويلات الأجانب سنوياً لاتضحت الصورة، وكان سبب تلك الأرقام الفلكية ملكية الأجنبي غير المعلنة للمحل، وكان نصيب الكفيل السعودي مبلغ زهيد..
جاء الوقت الذي تكون فيه فرص الوطن لمواطنيه، ونحن في طريق طويل لتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد يخدم مصالح الوطن وأبناءه وبناته، بدلاً من مراعاة مصالح دول أخرى، عبر تقسيم فرص العمل في السوق السعودي بين عمالهم الوافدين من خلال «كوتا» محددة لكل عمالة أجنبية، وذلك يبدو واضحاً في السوق، فالصيدليات تسيطر عليها جنسية محددة، وسوق مواد البناء كذلك وهكذا..
لهذه الأسباب اعتبر هذا القرار تاريخي، لأنه بمثابة العلاج الأمثل للمرض السعودي الشهير «التستر»، الذي كان يعبر عن صورة غير متحضرة للمواطن الكسول الذي أدمن الاعتماد على عرق جبين العامل الأجنبي، وكان الخاسر الأكبر أبناء هذا المتستر، بسبب غياب فرص العمل في السوق وتستر آبائهم على الأجانب من أجل منفعة قصيرة الأجل.
مع ذلك ما زلت أشعر أحياناً بالتوجس، فتاريخ وزارة العمل في عدم تنفيذ مثل هذه القرارات ما زال حاضراً في أذهاننا، وأهيب بالوزارة الحالية أن تكون في الموعد، وأن تنفذ هذه القرارات الضرورية في موعدها، وإن كنت أتمنى أن تبدأ بحملة تدريبية للراغبين في الالتحاق بهذا المشروع الوطني العملاق..
من المؤكد أن تبدأ متأخراً خيرٌ ألف مرة من أن لا تبدأ أبداً، ولهذا نشيد بمثل هذه القرارات الوطنية، فالوطن يحتاج أبناءه من أجل اقتصاد وطني متين، ونحن في فترة انتقالية بكل ما تعنيه الكلمة، ويتطلب الأمر وقوف الجميع مع قادة الوطن في هذه المرحلة الحرجة، وأعني بذلك أن نثبت للعالم أننا شعب يعمل من أجل أن يعيش ويزدهر، والله الموفق.