كيف البقاء وباب الموت منفتح
وليس يغلق حتى ينفد البشر
كثير من بني البشر يعيشُ بين أهله وأسرته مَسْرُوراً، ردحاً طويلاً من الزمن، ويصول ويجول في ميادين الحياة، وفي مناكب الأرض رحبة الجوانب والآفاق، لطلب المعيشة وكسب الرزق الحلال، أو للسياحة والتنزه لإمتاع النفس وإعطائها حقها ونصيبها مما يُؤْنِسُها ويسعدها من متع الحياة المباحة وأطايبها..، ولقد حَثّ وأجاد أبو الطيب المتنبي حيث قال:
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فَمُفْترِقٌ جاران دارهُمَا العُمُرُ
ومهما استعذب الإنسان الحياة وملذاتها، فلا بد أن يَعْقُب ذلك مُكَدّرُها ومُمَررُها بعد حلوها: هادم اللذات ومفرق الجماعات، وهي نهاية كل حيّ وإن مُدّ في عمره وطال به المدى..، وهذا يذكرنا بسيرة - أبو عبدالرحمن - الشيخ الوجيه إبراهيم بن حمد السويلم المتصف بالاستقامة وحسن التعامل مع أسرته ومجتمعه منذ فجر حياته، ففي صبيحة يوم الثلاثاء 29-4-1439هـ تَزَامَنَتْ نهاية شهر ربيع الثاني مع آخر يوم من أيام الدنيا للرجل الفاضل إبراهيم بن حمد السويلم الذي نشأ في عبادة الله، وفي بيئة صالحة هو وإخوته بين أحضان والديهم في هناء وغبطة, وقد أُديت صلاة الميت عليه في جامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 29-4-1439هـ ثم نُقل جثمانه إلى مقبرة الدرعية داعين المولى له بالمغفرة.
ولقد ولد في بلد آبائه وأجداده: مدينة ثادق وعمّر عمراً مديداً لامس التسعين عاماً، في حياة حافلة بالكفاح وبالأعمال المشرفة، والسيرة الحسنة وعاش طفولته وفي مقتبل عمره بين أحضان والديه، ثم ألحقه والده في إحدى الكتّاب لتعلم الكتابة والقراءة وحفظ ما تسير من القرآن الكريم، وكان سريع الحفظ، حريص على سماع ما يُقرأ من كتب المطولات داخل المساجد قُبيل صلاة العشاء وبعد صلاة العصر في غالب الأوقات - آنذاك - مما كان سبباً مُباركاً في تنويره وتثقيفه ثقافة دينية..، وكان يقضي سحابة يومه مع لِدّاته وأقرانه في لهو ومرح، وتسابق في صعود تلك الجبال الشامخات عُلواً المُطِلّة على بلادهم مدينة ثادق، فيجدون في ذلك متعة وتنشيطاً لأجسامهم، كأمثال من سبقوهم من الأجيال على تعاقب الأزمان:
وكم من جبال قد علا شرفاتِها
رجالٌ فزالوا والجبال جبال
وكان يشارك مع والده في الفلاحة وسقاية فسائل النخيل، وبعدما كبر شخُصَ مع بعض إخوته إلى الرياض، فأخذوا يعملون في بناء الكثير من البيوت الطينية الشعبية في بعض الأحياء مثل حي أم سليم وحي الشميسي وغير ذلك من الأحياء، كما ساهموا في بناء قصور الملك خالد في أم الحمام، وكان يزورهم - يرحمه الله - ويحثهم على إتقان عملهم، والإسراع في إنجازه مع ما يمنحهم من مال وفير، وأطعمة جزلة تشجيعاً وتكريماً لهم، فهو نَدِيّ الكف عطوفاً على العاملين، الذين يكدحون لأجل لقمة العيش لسدّ حاجاتهم، وهذا هو شأن ملوكنا وأمرائنا:
هُم الملوك وأبناء الملوك لهم
فضل على الناس في اللأواء والنَّعَمِ
وبعدما حسنت حالهم المادية أخذوا يشترون بعض القطع من الأراضي المجاورة للأحياء السكنية فيقيمون عليها دوراً من المادة الطينية لعدم توفر الأسمنت - آنذاك - ثم يبيعونها، واستمروا على هذا المنوال حتى نمت المادة في أيديهم، فأخذوا يساهمون في بعض المخططات الرحبة مع عدد من المساهمين، فدرَّت عليهم الدنيا بأخلافها، ثم استقل كل واحد منهم بحاله - رحم الله من غاب منهم، وأسعد الباقين، وعلى أي حال وخشية الإطالة والإطناب، فقد سبقني شقيقه الأستاذ الأديب عبدالعزيز في عَدّ الكثير من صفاته الحميدة، وسيرة شقيقه - العطرة - سليمان، بهذه الصحيفة يوم الخميس غرة جمادى الأولى 1439هـ، ولنا معه ومع والده الشيخ حمد - رحمهما الله - وإخوته ذكريات جميلة لا تغيب عن خاطري مدى الأيام منذ عقود طويلة من الزمن وكنت أزور والدهم - يرحمه الله - في منزلهم القديم الواقع بمحلة أم سليم فأسعد بالحديث مع الجميع واستمر التواصل مع الأستاذ الكريم الأديب عبدالعزيز، ومع أشقائه الكرماء، وأبنائه البررة، وكُنتُ أحضر كل سنة مناسبات الأعياد التي تقام في قصر ومزرعة الأستاذ الحبيب أخوهم عبدالعزيز، الذي يُعَد من الصوالين الأدبية والاجتماعية الريفية، ملتقى أُسرهم في الإجازات وفي أواخر كل أسبوع في غالب الأيام..، ولقد خلّف الشيخ الوجيه إبراهيم - رحمه الله - ذرية صالحة وذكراً حسناً يتجدد على مر الأيام..، وكأني بأخيه عبدالعزيز - أبو سعود - هو وإخوته عند إنزاله في جدثه يكرر نظرات الوداع الأبدي..، ومتذكراً رحيل شقيقه الشيخ سليمان - أبو محمد - وعبرات الحزن العميق تَغُصُّ الحناجر، مستحضراً قول الشاعر:
أُخيينِ كُنّا فرق الدهر بيننا
إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا
- تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم إخوته وأبناءه وبناته وعقيلته، وأسرة السويلم كافةً ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء