«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بدعوة كريمة من سعادة الفنان والدكتور أحمد ماطر مدير معهد مسك للفنون، وبرعاية كريمة من مؤسسة مسك الخيرية، وفي أحضان مهرجان «الجنادرية»، التقينا بعد 25 سنة. كنا ستة من الفنانين التشكيليين الذين وقع علينا الاختيار لتنفيذ جدارية كبرى في الجنادرية، وكانت الفكرة - والحق يقال - وليدة من جامعة الملك سعود، وبإشراف كل من الأستاذ الدكتور والفنان محمد الرصيص، وزميله الأستاذ الدكتور صالح الزاير، وبدعم من رئاسة الحرس الوطني. كنا نحن الفنانين الستة قد التقينا في أول معرض جماعي لنخبة من الفنانين بالمملكة عام 1398هـ. وبعد سنوات التقينا مجددًا في ذلك المساء المشبع بالبرودة، ولكنه كان في الوقت ذاته دافئًا من فرط عملنا من بعد صلاة العصر، وتواصل حركتنا ونشاطنا. وكنا أيضًا في ريعان الشباب.. كلنا حيوية ونشاط، وحتى وجل؛ فبعضنا ربما كان يخوض تجربة رسم الجداريات لأول مرة.. وها نحن نجتمع مجددًا، ولكن - وما أصعب ولكن هنا - لقد رحل عنا اثنان من مجموعتنا «السداسية»، هما الفنان البروفيسور عبد الحليم رضوي والفنان «محمد سيام» - رحمهما الله -؛ وتبقى من هذه المجموعة كل من: كاتب هذه الإطلالة أحمد المغلوث، والفنان عبد الله حماس، والفنان ناصر الموسى، والفنان عبدالله الشلتي - أمد الله في أعمارنا، ومتعنا والمسلمين كافة بالصحة والعافية -.
ها نحن الأربعة نجتمع من جديد لنتحدث في جلسة فنية «استعادية» عن تجربتنا التي خضناها قبل ربع قرن، وفي المكان ذاته «الجنادرية».. هذا المهرجان الذي بات شمسًا مشرقة كل عام بمختلف الفعاليات التراثية والثقافية والفكرية، وعارضًا في الوقت ذاته لجوانب مختلفة من إنجازات الوطن، ومن مختلف المناطق والمحافظات.. عندما وصلتُ إلى البوابة الرابعة في «الجنادرية» شعرتُ بشيء خفي يسري في جسدي. شعور لمن يلتقي بمن يحب.. كأنني كنت على موعد انتظرته طويلاً.. أو كما يقول عنه المحبون بفارغ الشوق والصبر؛ فأشواق الإخوة تتجاوز أشواق المحبين.. تتضاعف وتزداد يومًا بعد يوم حتى وأن لم يلتقوا. وعندما اقتربت من مكان جلوس الأخوَيْن عبدالله حماس وعبدالله الشلتي، وكانا قد سبقاني بالحضور إلى موقع المهرجان، وجلسا معًا يحتسيان الشاي، ويترقبان حضوري، وحضور الأخ ناصر والأخ الدكتور الرصيص الذي سوف يدير الجلسة.. بين لحظة وأخرى جاء موعد الجلسة بعد أقل من نصف ساعة، وكان اللقاء بالأحضان، وربما تلألأت عيوننا بالدموع، ولكنها دموع خفية، دموع فرح وبهجة بلقاء الأحبة. هذا اللقاء الأخوي الذي ينتظره الإخوة والأصدقاء والزملاء الذين باعدت بينهم وبين بعضهم ظروف الحياة ومشاغل العمل والمسافات.. فبلادنا «وطننا الحبيب» - ما شاء الله وتبارك الله - عبارة عن قارة. خرجت العبارات والابتسامات واسعة بسعة الوطن، صادقة كصدق إيمان المسلم. وجاء موعد «الجلسة»، وكانت - والحق يقال - جلسة تذكُّر، وكل مشارك منا جاء عليه الدور ليتحدث عن تجربته، وكيف نفذ فكرته «جداريته». وبعدها جاء دور الحديث عما هي التطلعات التي يقترحها كل واحد منا للنشاط التشكيلي في الجنادرية. والتقينا جميعنا «نحن الأربعة» في النقاط ذاتها، وتحدثنا بشفافية عن أهمية دعم النشاط التشكيلي بالمزيد، من خلال دعم الفنانين الرواد، وتقديرهم المادي والمعنوي، والاستفادة من تجاربهم.. وعمل ورش لهم، وعرض أعمالهم واقتنائها، وأن تتاح لهم الفرص والتشجيع كما أُتيح للشباب والمواهب، وأن تقام لهم المعارض في الداخل والخارج كما تفعل الدول الأخرى.. ولم ينسَ الجميع أن يثنوا على مبادرة مؤسسة مسك الخيرية، هذه المؤسسة الرائدة التي لم يبخل عليها صاحبها سيدي سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بكل ما من شأنه أن يأخذ بيد الإبداع السعودي، بدءًا من تشجيع الموهوبين والشبابولم ينسَ المشاركون في الجلسة التي كانت ثرية إبداء التقدير لكل من وقف خلف فكرة تنفيذ «الجدارية» في الجنادرية قبل عقود، وحتى من كان وراء هذه الجلسة (الندوة) التي وثقت عملاً إبداعيًّا وطنيًّا، سجله تاريخ الفن التشكيلي السعودي. لقد كانت الجلسة واللقاء عبارة عن سفر في فضاء الإبداع التشكيلي السعودي، حلقت بها طيور الوطن في السماء، وفي مساء مشبع بالحب والتقدير والوفاء.. مساء عطرته «مسك الخيرية» بعطرها الثمين.