د. خيرية السقاف
في خلاصة يعترف الرجل المسن بأنه مر بسنوات عمره لكنه لم يعرف الكثير, وأنه لا يزال يتعلّم من صغار أحفاده جديداً, وأعطى مثلاً بأنهم يعلمونه, وهو يتلقى برحابة عنهم كيفية استخدام جهاز الهاتف الجوال, وسواه, فهو ليس لديه أية خبرة في شأن التقنية, والصناعة الحديثة..
لكنه في المقابل يقول إن صغار القوم قبل كبارهم اليوم يتوهمون المعرفة بكل شيء في كل موقف, ومجلس باختلاف مستويات مريديها, عمراً, وخبرةً, ومعرفة..
وهم كما يصفهم كالدلاء المبتلة دون ماء, والجداول الجافة تحسبها في السراب تجري..
ولأن الحقيقة قاعدة ربانية: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}, فإنه يتساءل: كيف لهم أن يدركوها؟
إنهم لا يخبرون من القواعد أهمها, وأوجبها للمعرفة, وأولها في التعليم, والتعلّم
وذهب المسن يقول: لا يعرفون قواعد الأخلاق في التعامل مع بعضهم الكبار فيهم, والصغار منهم, ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد قعَّدها في الشاردة عنهم, والواردة إليهم..
إنهم في الغالب لا يتراحمون, وفيما نرى لا يوقرون, كما أنهم يجهلون الصواب في التعامل مع الجار وقد أوصى به, والمار وقد وضع آداب الطريق من أجله, وقنن مقاييس الأخذ والعطاء في التجارة, والمعاملات لا إسراف, ولا شح, لا جشع, ولا طمع, كما وجه عند إبداء الرأي, وسماع الآخر بالاحترام, والروية, وفي سلوكه الشخصي كان النموذج عليه الصلاة والسلام, كذلك في المسالك الأخرى قيَّد آداب الملبس, وقدَّر صوت الحديث, ومقت الجدل, ورفض الخصومة, ومايز بين الاختلاف, والخلاف, ومنع التنابز, والتفاخر, والدعة, والحسد, والمكيدة, والضغينة, والتسرّع في الحكم على الآخر, وسوء الظن به, وكثرة اللغط, والهمز واللمز..
قال المسن: لو أنهم يعلمون مفاسد ما ينجم عن عدم العلم بهذا, فالتخلي عن هذه الخبرة في سلوكهم, ومعاشهم, وتعاملهم, بل في معاملتهم اليومية لما وجدناهم وقد عجت بها حياتهم, وتلوثت بها علاقاتهم, وإن لبسوا الصقيل اللامع, وركبوا الثمين الساطع..
وأضاف: ليتهم يعلمون بأن معرفتهم ناقصة, وإن عليهم أن يعلموا بهذا..
إيه, أطلق المس آهته قبل أن يصمت وهو يقول بحسرة: زمن الجهل, يدعي أهله أنهم يعلمون.. وأنهم عارفون!..
لكنهم جاهلون, في الحقيقة جاهلون..