محمد سليمان العنقري
قال نائب وزير العمل إن الوزارة تعمل على هيكلة السوق من كل جوانبه وليس رفع نسب التوطين فقط، وأضاف أن خروج منشآت لا يقلقهم لأنه ستأتي منشآت أخرى، حيث تستهدف الوزارة إدخال المواطنين للسوق كأصحاب أعمال، فقد بات واضحاً أن خطوات غربلة واقع السوق تتسارع خصوصاً مع برامج التوطين الموجه والتي كان آخرها الإعلان عن 12 نشاطاً حيوياً ستوفر قرابة 400 ألف فرصة عمل سيتم سعودتها العام القادم.
فمن المؤكد أن الهيكلة التي يتم العمل عليها ستشكل أساساً للهيكلة الاقتصادية التي انطلقت منذ اعتماد رؤية المملكة 2030 م والتي ستلغي الاعتماد على الأيدي العاملة الكثيفة الرخيصة لصالح استخدام التقنية وتشغيلها من قبل المواطنين، فمجمل الأعمال بالمنشآت الصغيرة تحديداً يقوم بتشغيلها وافدون وتوسعت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة بنسب عالية جدًا، ففي قطاع التجزئة يعمل قرابة مليوني عامل منهم نحو 400 ألف مواطن أي بنسبة 20 % وهو ما يعد خللاً كبيراً، إذ يفترض أن غالبية من يشغل القطاع المواطنون حيث لا يعد استقطاب عمالة وافدة لهذا القطاع يحمل أي قيمة مضافة، كما أن حجم نشاط التجزئة يقارب 400 مليار ريال قرابة 44 % في المواد الغذائية، وعدد المحلات يفوق 250 ألف محل تجزئة بالمملكة بقليل أي بمعدل محل لكل 122 من السكان، وهي نسب تعد مرتفعة تضعف جاذبية الاستثمار بالقطاع حيث يعد التستر التجاري سبباً رئيساً بارتفاع عدد محلات التجزئة مما يضعف تنافسية حصول المواطن على فرص عمل واستثمار كمنشآت تدار من قبله مع تغول التستر وسيطرة جنسيات على نشاطات مهمة حيث تنخفض تكلفة تشغيلهم وإدارتهم لها بسبب انخفاض إنفاقهم والتزاماتهم المعيشية بالمملكة، فإحدى الجنسيات الآسيوية تسيطر على نشاط البقالات، وسبق أن صدرت دراسات سابقة عن ذلك بينت أن حجم حوالات هذه الجنسية قارب 38 مليار ريال في عام 2013، وتوقعت الدراسة أن تتخطى حوالاتهم في العام 2016 حاجز 45 مليار ريال، أي نحو 30 % من إجمالي حوالات الوافدين السنوية التي تجاوزت 140 مليار ريال بالمتوسط لآخر خمسة أعوام أي نحو 6 % من إجمالي الناتج المحلي وهي أرقام كبيرة.
فلمعالجة الأمراض التي عانى منها الاقتصاد الوطني من ضعف تنافسية المواطن بسوق العمل رغم ملايين الفرص التي ولدها الاقتصاد خصوصاً بآخر عشر سنوات والضخ الحكومي الهائل على تنفيذ مشاريع بكل مناطق المملكة والتي كان من أهم أهدافها توفير فرص عمل للمواطنين إلا أن النتيجة لم تكن كما هو مستهدف وبقيت البطالة مرتفعة ووصلت إلى 12.8 %، إلا أن توجهات رؤية المملكة وبرامج التحول ومن أهمها مبادرات هيكلة سوق العمل بدأت بالتوجه لمعالجة جذرية تعيد فرص العمل للمواطن وتقلل من الهدر المالي من حوالات الوافدين لوظائف يمكن شغلها بمواطنين، إضافة لمعالجة التستر التجاري، والأهم هو أن يقود تشغيل مفاصل الاقتصاد وكل قطاعاته وأنشطته المواطنون.
إن التوجه لهيكلة سوق العمل من المؤكد ليس شعاراً أو هدفاً جديداً لكنه يتسم هذه المرة بإجراءات وآليات تنفيذ صارمة، وهو بالتأكيد لن يكون لوحده عصاً سحرية لمعالجة البطالة أو القضاء على التستر التجاري، فهناك جهات أخرى لديها مسؤوليات بتوليد فرص العمل ومعالجة اختلالات قطاع الأعمال، لكن المهم أن تكون توجهات وزارة العمل قد أخذت أيضاً بعين الاعتبار كل التحديات التي تواجه توطين هذه القطاعات وعدم إحداث خلل في مستويات تقديم الخدمة من حيث توفرها ومستوى تأهيل المواطن لكي يدير الأعمال التي ستوكل له، وهل تم وضع مدة زمنية كافية لتوطين كل نشاط، فبعضها يمكن سعودته في عام واحد ولكن هناك أنشطة تتطلب فترات تدريب وتأهيل ليست بالقصيرة للتمكن من العمل فيها مع الأخذ بعين الاعتبار كل التأثيرات المحتملة حتى يكون النجاح حليف هيكلة السوق ورفع عدد المواطنين في القطاع الخاص لضعف الرقم الحالي الذي يبلغ نحو 1.7 مليون خلال الأعوام الخمس القادمة على أبعد تقدير.
هيكلة سوق العمل قطار انطلق ولن يتوقف ليحقق الأهداف الاقتصادية المنشودة وعلى رأسها خفض البطالة وإعادة الحيوية لفرص الاستثمار بالاقتصاد لصالح المواطن بالمقام الأول، وكذلك خفض التستر التجاري لأقل نسب ممكنة وأن يدير المواطن كل الأنشطة الاقتصادية، لكن من المهم وبقدر ما يجب أن تراعي الوزارة الآثار المترتبة في مرحلة الهيكلة والانتقال لواقع سوق عمل واقتصاد جديد إلا أن المسؤولية تقع أيضاً على أصحاب الأعمال بقراءة هذه التحولات والتعامل معها كواقع قادم لابد من الاستعداد له بتطوير ذاتي للتشغيل ورفع كفاءته وفق الأساليب التقنية الحديثة، وأن يعتبروا أن الأسلوب المعتمد على عمالة وافدة كثيفة ورخيصة لن يكون ضمن حسابات الجدوى الاقتصادية لمشاريعهم على أهمية أن يساندهم بهذا التحول الإستراتيجي جهات ذات علاقة على رأسها هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وصندوق هدف ووزارة التجارة والاستثمار والصناديق الحكومية المعنية بتمويل قطاع الأعمال.