سعد بن عبدالقادر القويعي
في دعوة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في كلمته في مؤتمر «معالجة العنف الممارس باسم الدين»، الذي نظمته الخارجية البريطانية في العاصمة الإيطالية روما، بحضور عدد من القيادات الدينية والسياسية والفكرية من مختلف دول العالم، إلى: «القبول بالاختلاف، والتنوُّع بين البشر»، دليل على أن مراعاة المصالح، والمفاسد يتضمن ملاحظة: أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها، وإنما قصدت المصالح المترتبة عليها؛ حتى تتلاقح الآراء، وتفتح مجالات التفكير؛ من أجل الوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها بوعي، وذات مسعى حركي اجتهادي دؤوب، تجمع بين النظر الصحيح، والعمل الرشيد، وذلك وفق استراتيجية تربط الهدف بأصوله العلمية، والمناهج الشرعية، والوسائل المنضبطة المؤدية إليه.
لا تستقيم الحياة الاجتماعية إلا باعتبار منهج منطق العقل الراشد، وقوانينه، وأحكام الفطرة في حياة الإنسان، وذلك في إطار التنوع؛ ابتغاء التغيير، والتطور، والازدهار، والحضارة للجميع، وهو ما أكده الدكتور جيلالي بوبكر في بحثه القيم: «سُنّة الاختلاف بين نقمة التعصب ونعمة التسامح»، عندما كتب: «لم يتحول اختلاف الناس في حياتهم الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية وغيرها، واختلافهم في الألسن، والأجناس، والألوان، وتباينهم في التاريخ، والجغرافيا إلى مصدر للشحناء، والبغضاء، والتعصب، والعنف، بل إلى منبع للتسامح، والعيش المشترك في وفاق، وسلام، وإلى مصدر للاجتهاد، وإعمال العقل، وللثراء الفكري والعلمي، وللتنوع الثقافي، والإبداع الحضاري في سياق التعاون، والتكامل.. فنموذج دولة النبوة المحمدية كفيل بإبراز دور التسامح في سياق الاختلاف، اختلاف عميق، ومتعدد، عرف انصهاراً كاملاً في الجسم الإسلامي، وروحه، انصهار أنتج الوحدة من الكثرة، والإبداع، والتغيير، والتجديد من الجمود، والثبات، والتقليد، وروح التسامح من العصبية، والنعرة القبلية، والنظام، والعدل من الظلم، والاستبداد، والفوضى، وأنشأ الحضارة، والمدنية، والتقدم، والازدهار من البداوة، والتوحش، والانحطاط، وبفعل التسامح أنسن الإنسان وجوده ككل».
إن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى أن الإحاطة بفقه الاختلاف، والتنوع، والمستند إلى دليل اتحد فيه القصد، واختلف في الوصول إليه من سنن الكون، التي تجعل من الاختلاف، والتنوع ضرورة حتمية، لا تقوم، ولا تستقيم الحياة إلا بها، بل يتجاوز كونه حقًّا من حقوق الإنسان، إلى حيث هو سنة من سنن الله، التي لا تبديل لها، ولا تحويل، وآية من آياته سبحانه وتعالى؛ حتى نتكامل على خطى التواصل، والتلاقح، لا لنتصادم؛ فيفضي بنا الحال إلى السكون، والجمود، والتخلف، وعليه فإن وحده القبول بالتنوع، والتعدد، والإقرار بوجوده أمر محمود، وليس فتنة، أو مؤامرة؛ كونه الطريق الصواب، والأنجع؛ للاستمتاع بحكمة الخلق، والنشأة الأولى؛ إذ منتهاها التعايش في تماسك، وتفاهم، وسلام، وهو شرط البناء التاريخي، والتطور الاجتماعي، وآية من آيات الخلق المقصودة لغايات يعلمها الله، ولحكمه هو أدرى بمكنوناتها: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.