حمّاد السالمي
- استنكر الأمير (خالد الفيصل)؛ مستشار خادم الحرمين الشريفين؛ وأمير منطقة مكة المكرمة؛ في زيارة قام بها لسوق تجاري بالطائف.. استنكر ظهور شاب سعودي من الباعة في المحلات بزي غير وطني، وأبدى تخوفه من زحف (التغريب)، ومن بعده (التشريق)، في ظهور الشباب بغير لبسهم الوطني الذي كان عليه آباؤهم وأجدادهم.
- هذا موقف لافت من حاكم إداري حكيم؛ عُرف عنه الدفاع عن الدين، والاعتداد بالذات، والاعتزاز بالوطن، والحرص على قيم وشيم المجتمع. عندما قرأت كلمة الأمير (خالد الفيصل) المنشورة مطلع الأسبوع الفارط؛ تذكرت واحدًا من المواقف التي تتكرر صباح مساء. كنا في جلسة عائلية وسط متنزه عام، إذ حلت بجانبنا أسرة كبيرة مكونة من أب وأم وبنين وبنات. كان الأب يرتدي لبسته الوطنية كاملة؛ من ثوب وطاقية وغترة وعقال، بينما ظهر أبناؤه الثلاثة بشورتات وسترات حاسري الرؤوس..! كان منظرًا يوضح البون الذي أخذ يتسع بين جيل وجيل، وهذا شائع في الأسواق والطرقات والمطاعم والمساجد. هناك ما يشبه الخلطة في اللباس، التي تجمع بين غربية وشرقية وسعودية على الأراضي السعودية. أنا أتحدث عن المواطنين السعوديين الرجال حصريًا، أما الأزياء النسائية؛ فلها ربات يتحدثن عنها، وأما من يقيم بيننا من عرب وعجم؛ فهم خارج هذا النقاش الذي يتناول ما يشبه القضية التي تمس هويتنا الوطنية.
- أتمنى أن تكون كلمة الأمير (خالد الفيصل) في هذا الموضوع بالذات؛ بوابة تُفتح للنقاش والدراسة، لنصل في نهاية المطاف؛ إلى تنظيم رسمي يحدد ماهية اللباس الوطني الذي نعنيه، ومتى وأين يلزم الالتزام به، ومن يُعذر في عدم لبسه وأين..؟.
- تتذكرون جيدًا؛ أنه صدرت قبل عدة سنوات؛ توجيهات رسمية مبلغة لكافة الجهات، تلزم المواطنين الذين يدخلون الدوائر الحكومية موظفين أو مراجعين؛ التقيد بلبس الزي الوطني كاملاً. هل نسينا هذا..؟ هل يجري العمل به اليوم..؟.. الواقع أن هناك من يستهتر بهذه المسألة المهمة التي تعبر عن الانتماء الوطني بشكل ظاهر. إذا نجح الصحويون من دعاة (توثين الوطن) في مرحلة سابقة، في التقليل من الاهتمام بكل ما يرمز إلى الهوية الوطنية؛ وفي تصنيف أنفسهم وتصنيف غيرهم على أساس من اللباس الذي اختاروه لأنفسهم؛ وهو غير اللباس الوطني المعتاد؛ فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى تنظيم معتمد من الدولة، يعزز الزي الوطني الشامل، بتفاصيله وألوانه، ودواعي وأماكن ظهوره، بشكل إلزامي لكل المواطنين، في المناسبات العامة والخاصة، وفي الأسواق والمساجد. إن الزي الوطني يحمل رمزية خاصة لأبناء الوطن الواحد، ويعكس هويتهم الموحدة، وهو زينة للناظرين، وربنا جل جلاله أمرنا باتخاذ هذه الزينة حتى عند المساجد.. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
- أعرف جيدًا أن بلادنا ولله الحمد؛ قارة كبيرة مترامية الأطراف، وفيها بيئات صحراوية وجبلية وسهلية وغيرها، وسكان هذه البيئات؛ محكومون عادة بما يمارسون من أعمال ومهن، ولهم موروثات شعبية، وقيم سلوكية، تشكل في مجملها تنوعًا ثقافيًا قل نظيره في بلد عربي، وما يلبسه عادة الفلاح غير ما يلبسه الصياد والراعي والصانع وهلم جرا، وهذا التنوع الجميل؛ نلمسه في الموروثات الشعبية فنية كانت أو حرفية. أود ان أصل إلى أن المهن عادة؛ هي التي تحدد أصحابها بأزيائهم التي تتناسب وما يقومون به من أعمال. لكن هذا كله يظل في محيط العمل والمهنة، ليبقى هناك ما هو جامع شامل للمجتمع كله دون تمييز، وهو الزي الوطني الذي يظهرون به في مناسباتهم الفرحية والترحية، وفي أسواقهم ومساجدهم واحتفالاتهم.
- ربما كان من الأفضل للمشتغلين بمهن التسويق والبيع في الأسواق العامة؛ الالتزام بالزي الوطني، فهو لباس لا يعيق حركتهم ولا عملهم، بعكس من يعمل في الزراعة أو الصيد أو الورش والميكنة. مثل هذه المهن تتطلب زيًا سهلاً غير مكلف، مثل البنطال والسترة، ولكن في إطار العمل، وفي حدوده المكانية والزمانية. الكثير من هؤلاء المهنيين والصناعيين؛ يذهب إلى المساجد وقت الصلوات بلبسته المهنية هذه، وهي غالبًا ما تكون ملوثة، وتفوح منها روائح منفرة، هذا إذا لم يخرج بها إلى الشارع العام خارج وقت عمله.
- يؤثر عن الأديب عباس محمود العقاد قوله: (ملابسنا تحددنا)، بمعنى أنها تكشف عنا، وتوضح هويتنا. وفي عموم المملكة بحمد الله، يحرص الكل على التمسك بالزي الوطني في المناسبات العامة والرسمية بشكل خاص، فيظهر بالثوب والطاقية والغترة أو الشماغ، ثم العقال والبشت.
- جاء في أمثالنا: (كل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس). وفي هذا دلالة على أهمية المظهر، ومن جماليات المظهر؛ اللباس الوطني الذي يجمع بين أكثر من جيل على التراب الوطني الطاهر. يُنسب إلى الفيلسوف (فرانكلين) قوله: (نظرات الآخرين لنا هي التي تهندمنا، ولو كان كل من حولي أعمى؛ لما احتجت إلى ملابس أنيقة، ولا إلى مسكن جميل وأثاث فاخر).
- لنتذكر أن ألبستنا التي نظهر بها أمام الآخرين؛ هي التي تحدد هويتنا، وتؤطر ثقافتنا، وتبرز قيمنا التي ورثناها وتربينا عليها. لبسنا الوطني يحدد هويتنا، وقيمنا العريقة؛ تمجد تاريخنا على ترابنا الوطني.