ترجمة وتعليق - د. حمد العيسى:
تقديم المترجم: هنا ورقة من تأليف الباحثتين هيا المغني وماري آن تيترو نشرت في نوفمبر 2004 كفصل في كتاب «المرأة والإعلام في الشرق الأوسط: القوة من خلال التعبير الذاتي»، تحرير: ناعومي صقر، لندن، آي بي توريس للنشر. هيا المغني عالمة اجتماع كويتية، عملت في الهيئة العامة لتقدير التعويضات عن خسائر العدوان العراقي. وهي مؤلفة كتاب «النساء في الكويت: سياسات الجندر»، لندن، دار الساقي، 174 صفحة، عام 2001. البروفيسورة الراحلة ماري آن تيترولت (1942-2015) عملت أستاذة فخرية في الشؤون الدولية في جامعة ترينيتي في مدينة سان أنتونيو، ولاية تكساس الأمريكية؛ وهي مؤلفة كتاب «قصص الديمقراطية: السياسة والمجتمع في الكويت المعاصرة»، عام 2000، نيويورك، قسم النشر بجامعة كولومبيا، 326 صفحة:
الوصول إلى وسائل الإعلام والرقابة والصراع مع السلطة
لقد اشتهرت الكويت، منذ فترة طويلة، بحرية الصحافة والمناقشات العامة الحيوية. هذا البلد الصغير الذي يعيش فيه 2.5 مليون نسمة - ثلثاهم أجانب – ينتج صحفا ومجلات أكثر بكثير من جيرانه. وتوجد في الكويت خمس صحف عربية يومية وصحيفتان يوميتان بالإنكليزية. وقد صدرت «الرأي العام»، التي تعد أول صحيفة يومية، في عام 1961 على يد عبد العزيز المساعيد؛ وهو تاجر ثري. وفي العام التالي، صدرت «الوطن» و«أخبار الكويت». وفي السنوات اللاحقة، صدرت «السياسة» (1968) و«القبس» (1972). واشترى التاجر الثري خالد المرزوق «أخبار الكويت» لاحقاً، وأعاد تسميتها لتصبح «الأنباء». وأما الصحيفتان الناطقتان بالإنكليزية فهما «عرب تايمز»، المملوكة لصحيفة «السياسة»، و«كويت تايمز» التي يملكها يوسف عليان. وإلى جانب الصحف اليومية، ينشر الكويتيون العديد من المجلات. إن كل جماعة سياسية في البلاد تقريبا تملك مطبوعتها الخاصة؛ فجمعية الإصلاح الاجتماعي، التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين، لديها مجلة سياسية أسبوعية باسم «المجتمع» تصدر منذ عام 1971. وتمثل جريدة «الطليعة» الأسبوعية تيار القومية العربية. وتوجد مجلات أخرى مؤثرة خلال الفترة المستعرضة في هذه الدراسة، وتشمل «الزمن» وهي منبر سياسي ونقدي مفتوح يملكها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وهناك مجلة «الدستور» التي يصدرها مجلس الأمة أسبوعياً. وتعكس الصحافة المطبوعة، عموماً، وجهات نظر التجار حول الإصلاحات السياسية، ولعل أهمها الحكومة الدستورية، وتوزيع عادل لعائدات النفط، والاستقلال الوطني. وحتى الغزو العراقي للكويت في عام 1990، كان الكويتيون يعتمدون إلى درجة كبيرة على الصحف والمجلات المحلية لمعرفة الجزء الأكبر من أخبارهم. وقبل ظهور الفضائيات، كانت نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية تأتي من محطات مملوكة للدولة وتركز على طقوس احتفالية كالزيارات الرسمية. وكانت تغطية الحملات والانتخابات عبر وسائل الإعلام الإلكترونية محدودة جداً؛ بل تكاد تكون معدومة تقريبا، وهي حالة استمرت حتى التسعينيات. (8) وكشف الغزو عدم كفاءة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وبالرغم من أن الحكومة سُمح لها بمشاهدة صور جوية من أقمار صناعية أمريكية توضح تحركات القوات العراقية على الحدود، فقد بقي معظم الكويتيين جاهلين بحجم الخطر الذي يلوح في الأفق. وبخلاف أولئك الذين يتابعون الإذاعاتالأجنبية بانتظام، لم يعرف الناس سوى القليل عن الأزمة؛ «لأن الرقابة حظرت أي ذكر لها» في منابر الأخبار المحلية. (9) وبعد بدء الغزو وقبل إغلاق محطات الإذاعة والتلفزيون من لدن قوات العدو، «لم تكن هناك أي إشارة على الإطلاق في الأخبار سوى الشعارات الوطنية». (10) وبعكس الأسلوب الحذر لبث الأخبار عبر تلفزيون وإذاعة الدولة، وفرت الصحافة المطبوعة المملوكة للقطاع الخاص أخبارا محلية وتعليقات أكثر جرأة خلال الأوقات العادية؛ ولكن، كما سنوضح أدناه، كانت قدرتها على إيصال الأخبار والتعليق على الأحداث مقيدة إلى حد كبير خلال الفترات التي عُطلت فيها الحريات المدنية.
ويضمن الدستور الكويتي حرية الصحافة (المادة الـ37) (*) ، وهو ضمان تكرر في 21 مايو 1996، عندما انضمت الكويت إلى «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية». (11) ولكن جرى قمع حرية التعبير في كثير من الأحيان عبر أشكال مختلفة من الضغط السياسي، وانتهكت حرية التعبير تماما خلال فترتين جرى فيهما حل مجلس الأمة بشكل غير دستوري وتم تعطيل العمل بأجزاء من الدستور. الفترة الأولى وقعت في عام 1976 عندما جرى حل مجلس الأمة بشكل غير دستوري، وأُقفلت جريدة «الطليعة»، وجرى فرض قيود على ما تنشره الصحافة. واستمر هذا الوضع حتى عام 1981 عندما جرت انتخابات برلمانية جديدة بعد إعادة رسم الدوائر الانتخابية لصالح أنصار آل صُباح. (12) ووقعت الفترة الثانية في عام 1986. وإلى جانب إغلاق البرلمان هذه المرة، فرضت الحكومة أيضاً رقابة على الصحافة وكانت شديدة إلى درجة لم تمكن زعيم المعارضة المطالبة بالديمقراطية، التي تشكلت كرد على الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، أن يستعمل الصحافة لنشر بيان يتجاوب إيجابياً مع خطاب للأمير عن الأزمة السياسية دعا فيه إلى حوار مع المعارضة. فقبل يومين من تلك الحادثة، ألقى الأمير خطاباً تصالحياً عبر التلفزيون، ودعا إلى حوار مع المعارضة. ويصر أحمد سعدون، زعيم المعارضة، على أنه استجاب بروح المصالحة نفسها التي عبّر عنها الأمير عبر بيان صحافي أرسله إلى الصحف معلناً أن المعارضة ستتجاوب إيجابا مع خطاب الأمير؛ ولكن الرقابة الحكومية رفضت السماح للصحف بنشر ذلك البيان الصحافي التصالحي. وعندما وصلت حشود من المواطنين وزعماء المعارضة إلى الاجتماع وجدوا في مواجهتهم الشرطة النظامية والحرس الوطني وشرطة مكافحة الشغب وعربات تطلق رغوة كيميائية. (13)
وبعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، أُجريت الانتخابات البرلمانية في عام 1992؛ غير أنه لم يتم إلغاء القيود المفروضة على الصحافة رسميا. واستمر الصحافيون والكتّاب والأكاديميون يواجهون الرقابة والملاحقة القضائية. ووفقا لقانون المطبوعات والنشر، فإن نقد الأمير يعد جريمة جنائية وكذلك نشر مواد مسيئة إلى الإسلام، أو محرضة على العنف والكراهية أو المعارضة. وجرى توقيف صحف بتهمة انتهاك هذا القانون، عدة مرات، منذ عام 1992. فمثلاً، جرى توقيف جريدة «الأنباء» لمدة خمسة أيام في عام 1995، لنشرها مقابلات مع ناشطين سياسيين دعوا إلى فصل منصب ولي العهد عن منصب رئيس الوزراء.
** ** **
هوامش المترجم:
(*): المادة الـ37 من الدستور: حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون. (العيسى)
يتبع
** **
- الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com