د. عبدالرحمن الشلاش
أدرك أن العنوان بمفردتيه «سائح، مديون» غير متسق. المفردتان متنافرتان تمامًا، فكيف بإنسان أثقلت كاهله الديون يتحول إلى سائح مرفه وكأنه يملك المليارات. يسكن في أفخم الفنادق، ويتسوق في أكبر المولات وأشهرها، ويتناول وجباته في أرقى المطاعم وأكثرها تكلفة. الوضع مقلوب تماما لكن للأسف هذا هو الواقع!
من حيث العدد تأتي العائلات السعودية في الصدارة فعشرات العائلات يقابلونك أينما ذهبت وأغلبهم يتكاثرون في الأسواق والمقاهي والمطاعم والأماكن الترفيهية والحدائق ودور السينما. رغم الفاتورة الباهظة التي ستدفعها كل عائلة في السكن والمواصلات والمعيشة وأماكن الترفيه، وتصل فاتورة المصاريف إلى أرقام قياسية تكسر ظهر رب العائلة إذا كان لحافه قصيرًا وتهور فمد رجليه أكثر من اللازم رغم ذلك فبعض العائلات لا يقنعهم السكن في فنادق أو شقق متوسطة الفخامة من فئة ثلاث أو أربع نجوم، أو الأكل والشرب في مطاعم ومقاهٍ تقدم خدماتها بأسعار معقولة، كما تأنف تلك العائلات الركوب في النقل العام مثل الباصات والمترو فيلجؤون لاستئجار السيارات الخاصة، وربما وقعت بعض العائلات في أفخاخ نصابين جذبوا لشباكهم كل مغفل أو جاهل بطبيعة تلك البلدان أو مدعي معرفة سقط من حيث لا يدري فأدرك متأخرًا أنه قد وقع ضحية لغروره.
أثناء مروري في أكثر من دولة لاحظت تباينًا صارخًا فبعض العائلات تظهر عليهم علامات الثراء أو على الأقل لديهم القدرة على تغطية المصاريف مهما بلغت وهؤلاء لا خوف عليهم ولهم الحق في الاستمتاع والصرف طالما أحوالهم متيسرة، بينما تجد عائلات أخرى لا يبدو عليهم أي أثر لثراء أو وضع مادي جيد ورغم ذلك يسيحون في كل مكان. هؤلاء بالذات يثيرون اهتمامي ويطرحون في ذهني تساؤلات ومنها كيف يستطيعون تحمل الغلاء رغم أوضاعهم الاقتصادية المتدنية؟
أطلق خبير اقتصادي سعودي تصريحا قبل فترة أوضح فيه أن حوالي 60 % من السعوديين يملكون مساكن خاصة وأن البقية مستأجرون ولم يتمكنوا من شراء مساكن وأن بعضهم يستدينون كي يسافروا للسياحة في أوربا وغيرها. كأن هذا الخبير بتصريحه قد أجاب عن كثير مما في ذهني. للأسف رغم أن الأولوية للسكن وأمور أخرى في حياة كثير من الأسر السعودية التي تسكن بيوتًا بالإيجار إلا أنها قلبت أولوياتها للصرف على كماليات الحياة وأشياء في ذيل قائمة الأولويات ومنها السفر غير الضروري لمن لا يقدر على تحمل مصاريفه وخاصة في بلدان اليورو أو الدولار مطبقين المقولة الشعبية «فلها وربك يحلها». حملهم على ذلك الضغط العائلي كي لا تكون الأم وبناتها وأولادها أقل من غيرهم وهذا الفعل هو ما يسمى بالمباهاة والتفاخر الذي أدى إلى أن ترزح كثير من الأسر تحت ضغط الديون والأقساط فالسفر والسيارة على حساب الديون وإذا لم تبادر تلك الأسر لتصحيح مساراتها فستعيش على بسط الفقر طيلة العمر، ولا يدرك البعض أننا في زمن مختلف يتطلب التفكير جيدًا في آليات الصرف وأولوياته!