فيصل خالد الخديدي
يسعى الإنسان لأن يكون مستقلاً بكيانه صاحب شخصية وهوية محددة تميزه عن غيره يتفرد بها وبملامحها وتزداد هذه الحاجة عند الفنان عن غيره من البشر فشخصيته بصمته التي تميزه عمن سواه ولا تشابه ملامحها بصمات أخرى والشخصية المستقلة والمتفردة ينعكس أثرها ويتضح ملمحها من خلال منجزه وعمله متى ماكانت نابعة من ذاته الصادقة مبنية بشكل منهجي واعٍ، وتتفاوت درجة التفرد والاستقلالية بين فنان وآخر وتعتمد في ذلك على حسن إدارته لذاته وجديته وهمته واهتمامه ببناء نفسه وتطويرها بما يناسبه هو وليس ما يناسب الآخرين وما هو سائد في المجتمع المحيط، وبناء شخصية الفنان عملية تقوم على حسن إدارته لذاته ومعرفته لقدراته وتعزيز إيجابياته وتحسين ضعفه والسعي الدائم للتطوير بشكل إيجابي واكتساب معارف ومهارات جديدة تحقق أهدافه التي يسعى لها.
بناء الشخصية الفنية للفنان عادة ما يبدأ داخلياً نابعاً من ذات الفنان وتستمد أدواتها من عزيمة الفنان والرغبة في التغيير وبناء عادات جديدة للارتقاء بالنفس وإكسابها قوة داخلية لمواجهة الظروف الخارجية المعطلة لشخصيته الفنية، وتكون هذه العزيمة الصادقة معينة له على التفرد والتميز وإبراز مكنوناته بما يناسب قدراته وفكره ورسالته ويستمر البناء ويتطور ويتميز بصقله بالممارسة والتجريب وسعة الاطلاع والتدريب المستمر على كل ما هو جديد تقنياً ومهارياً بما يحقق مراد شخصيته ويدعمها، كما أن التلمذة على يد بعض من يثق بقدراتهم ويناسب توجه واتجاه شخصيته ربما تكون داعمة في البدايات وبعض المراحل لكن الاستمرار في استقاء المعلومة والمعرفة والمهارة من مصدر واحد يكون أسراً وحداً لصناعة شخصية متفردة ومتنوعة المصادر، فالشخص الناجح الذي يسعى لذلك ويبحث عنه يكون محاطاً بدائرة من المعارف والعلاقات تجعله في حالة تفاعل مستمر يتيح له الاستفادة من خبرات الآخرين وإعادة صياغتها بما يتناسب مع شخصيته وتوجهاته الفنية، إن فهم الفنان من مراحل مبكرة بأهمية بناء شخصيته والتركيز اليومي على أهدافه وطرق تحقيقها والسعي لتفرده ومعرفة مكامن تميزه ومصادر دعمها والاشتغال على ذلك بجميع الطرق المتاحة يجعل الساحة التشكيلية تزخر بالعديد من النماذج التشكيلية الناضجة والمتنوعة وتقلل من النسخ المكرورة والنماذج المستنسخة من الفنانين.