عماد المديفر
إذن وكما ذكرت الأسبوع الماضي، فقد وجّه تنظيم الإخوان المسلمين الدولي فروعه المحلية بإعادة صياغة قصة الإخوان المسلمين، بهدف إعادة تموضع التنظيم، مستخدماً بذلك تكنيك «السيطرة على الضرر» Damage Control، والذي هو تكنيك دعائي قائمٌ على الاعتراف ببعض الأخطاء المكشوفة والمفضوحة والمعروفة، كموقف التنظيم الخبيث والخائن إبان فترة احتلال الكويت، وكذلك موقفه من حربنا ضد الحوثيين عام 2009م، وهي مواقف خيانة لا مراء فيها.. يتم الاعتراف بها ونقدها.. وإعلان أنها كانت مواقف خاطئة، وذلك بقصد امتصاص الغضب، والهروب من المسؤولية، وإعادة التسويق والتمركز، والاستمرار في تزوير الحقائق، وصولاً إلى القول بأن فكر الإخوان المسلمين في أساسه، وهويته، وأهدافه، ليست هي مكمن الخلل.. لاسيما بعد أن أصابهم تصنيف المملكة العربية السعودية لتنظيم الإخوان على رأس قائمة التنظيمات الإرهابية، في مقتل، ثم جاء قرار مقاطعة نظام الحمدين في قطر، والذي يعد رافعة التنظيم في المنطقة، ومصدر دعمه الأساس، فكانت بالفعل «ضربتين في الرأس».. وضربتين في الرأس لا شك أنها «توجع».. ثم ثالثة الأثافي حين قامت رئاسة أمن الدولة بالقبض على خلايا استخباراتية عميلة.. الأمر الذي جعل التنظيم يعمل على إعادة التموضع، من خلال الكمون لفترة، ثم رفع راية «الوسطية» و»الاعتدال»، بل وحتى «الوطنية» من قبل بعض رموزه! رغم أنها تنافي تماماً أساس فكر التنظيم، لكن ظروف المرحلة، و»فقه الواقع» يحتم مثل هذا التصرف.. تمهيداً للقول بأن المملكة لم تُصنف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي بسبب «هويته» و»فكره» بل بسبب مواقفه السالفة الذكر في حرب تحرير الكويت، والحرب ضد الحوثيين في 2009، وموقف التنظيم من نظام الملالي حين ذهب وفده لمباركة انتصار ثورة الخميني..! وكذلك ما يخص الخلايا الاستخبارية التي قبض عليها أمن الدولة؛ إعادة التسويق لأبرز شخصياتها كما لو أنها شخصيات «وطنية»! «وسطية»! والايحاء بأن القبض عليها جاء بسبب موقفها تجاه مقاطعة نظام الحمدين، وأن الموضوع برمته لا يعدو كونه سوء فهم..!! وفي أسوأ الأحوال خطأ بسيط لا يصل إلى جرم الخيانة العظمى.
إنه أسلوب ماكر خبيث، يستهدف الوصول الى نشر الدعايات التي تقول إن فكر الاخوان المسلمين، وهويته.. هي في أساسها لا شأن لها بالارهاب.. وأن تلك الرموز والعناصر لا شأن لها بـ العمالة للعدو.. وأن موقف المملكة من التنظيم هو موقف عابر، وعداء بسبب مواقف محددة، وليس هناك ثمة خلاف أيديولوجي حقيقي.. وأن التنظيم متى ما تراجع عن تلك المواقف؛ فستصبح علاقته بالمملكة إيجابية!! هذه هي الرسائل الداخلية.. أما في الخارج؛ فيتم التسويق أن منهج المملكة هو منهج التطرف والارهاب.. وان منهج الإخوان المسلمين ورموزهم هم من يمثلون الوسطية والاعتدال!
أي خبث وتلون وحربائية وتمييع للمواقف؟؟ وازدواجية يعجز عنها الشيطان!
وبالتأكيد؛ فإن ذلك كله ليس عبثاً.. فالتنظيم لايزال يعمل ويوجد ويتغلغل ويُجنّد.. ويريد أن يستمر في ذلك دون أن يعيقه شيء.. حتى تحين ساعة الصفر. وقد كشف أسلوبهم هذا سمو سيدي نايف بن عبدالعزيز -عليه رحمة الله- وهو الخبير الأمني الأول في العصر الحديث في العالمين العربي والإسلامي، وهو القيادي المحنك الذي كان أول من رفع راية الحرب على الإرهاب الإسلاموي في العالم، حيث كانت -وما زالت – المملكة العربية السعودية.. بلاد الحرمين الشريفين.. بأرضها الطاهرة، وشعبها الوفي، وقيادتها العظيمة، وعقيدتها النقية، وهويتها الأصيلة، وثقافتها العريقة؛ الهدف الأول للتنظيمات الإرهابية، والتي غالباً ما تُشير إليها وإلى شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية بـ «العدو القريب»، في أدبيات وخطب ورسائل التنظيمات الإرهابية الإسلاموية على تنوع أطيافها وأشكالها، وتعدد مسمياتها، ويصفون قيادتها وقيادات الدول العربية والإسلامية بـ «الطواغيت» باستثناء نظام الملالي الذي يعتبرونه -بحسب أدبياتهم- «نقطة الانطلاق نحو الدولة الإسلامية العالمية، التي تنتظم في إطارها جموع الأمة الإسلامية»، وقيادة تركيا الممثلة في حزب «العدالة والتنمية» والرئيس «أردوغان»، ومن قبله «أربكان».. باعتبارها بحسبهم «آخر معاقل الخلافة الإسلامية»، أقول لقد وضع سيدي نايف -يرحمه الله – النقط على الحروف فيما يخص «جماعة الإخوان المسلمين» حيث وصفها بأنها أم الجماعات الإرهابية الإسلاموية، وأنها: «أصل البلاء»، يقول الأستاذ القدير «أحمد الجار الله» رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية: «يومذاك كان الأمير نايف وزيراً للداخلية ومطلع على كل صغيرة وكبيرة في المجال الأمني الإقليمي والدولي، ولقد حدد في الحديث «أصل البلاء» الارهابي، وهي جماعة «الاخوان» التي كشرت عن أنيابها في السنوات الماضية ساعية الى اشعال العالم العربي بحروب أهلية، بدعم مباشر وعلني من بعض الدول، لاسيما تلك التي يتخذ منها قادة الجماعة مأوى لهم، وهي لم تعد خافية على أحد، أي قطر وتركيا».. بيد أنه ومع فشل مشروع الفوضى الخلاقة، وما يسمى بـ «ثورات الربيع العربي»؛ اضطر التنظيم للمهادنة والنفاق من جديد.
إن التنظيم الدولي الإرهابي للإخوان المسلمين، وسعياً لتنفيذ أجندته الخطيرة، وتحقيق غاياته التدميرية الخبيثة، نجح منذ وقت طويل في اختراق العديد من الدول حول العالم بما في ذلك اختراق الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، حتى أثبت باحثون أمريكيون اختراق التنظيم للبيت الأبيض في فترة من الفترات، وما موضوع «هوما عابدين» مستشارة «هيلاري كلينتون» وسكرتيرتها الخاصة، وابنة عضو التنظيم البارز «سيد زينول عابدين» وزوجة العضو السابق في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي اليهودي «انتوني وينر» عنّا ببعيد. وبلادنا بالتأكيد لم تكن استثناء من ذلك.. يقول سيدي نايف بن عبدالعزيز -عليه رحمة الله-: «إن مشكلاتنا كلها جاءت من الإخوان المسلمين.. لما اشتدت عليهم الأمور وعلقت لهم المشانق في دولهم لجأوا الى المملكة وتحملتهم وصانتهم وحفظت حياتهم بفضل الله وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، اخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بالوضع وقالوا إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، استضفناهم.. بعد بقائهم لسنوات بين ظهرانينا وجدنا انهم يطلبون العمل فاوجدنا لهم السبل. ففيهم مدرسون وعمداء فتحنا أمامهم أبواب المدارس وفتحنا لهم الجامعات ولكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة فاخذوا يجندون الناس وينشئون التيارات وأصبحوا يعملون ضد المملكة».
لقد كانت -ومازالت- المملكة العربية السعودية الهدف الأول للتنظيم، وهو ما كشفه مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم في كتابه: «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ»، ولذلك تفصيل لعلي أُعرّج عليه في مقالة لاحقة.. بيد أن ما ينبغي التأكيد عليه؛ أن التنظيم لم يلفظ بعد أنفاسه الأخيرة.. بل هو لا يزال بعيداً كثيراً عن هذه الحالة.. إنه فقط في طور كمون، وتبديل للجلد.. تمهيداً لمرحلة مقبلة.. وأن الخطر منه قائم.. ولا يضاهيه خطر. إلى اللقاء.