رقية سليمان الهويريني
إن ابتعاد بعض البرامج الثقافية التلفزيونية عن تنوير الناس والعمل لأجلهم ونشر الوعي والتواصل معهم؛ كشف عن وجود هُوة عميقة بينها وبين المجتمع، فظهر عجزها وابتعادها عن فعاليات الشارع المتسارعة، وهو ما يدعو للمطالبة بمراجعة أدائها ودورها التنويري، والسعي لاستعادته برتق تلك الفجوة.
وأزعم أن دور البرامج الثقافية تنظيريٌّ أكثر منه عملي، فهي شبه عصية عن التفاعل الحر مع أفراد المجتمع، وانغلاقها واتخاذها مكاناً منزوياً بدعوى الهيبة ورفضها الانفتاح على الحراك الاجتماعي بما يحويه من فوضى وتذمر ومتناقضات وهموم بسيطة وملاحقة لقمة العيش؛ تسبب في عزوف المشاهدين عن متابعتها!
وفشل البرامج التلفزيونية أو نجاحها يكون بحسب أنماطِ مشرفيها ومعديها ومقدميها، فهم أصناف من المثقفين؛ بعضهم لا دور له في مجتمعه، منغلق يميل للجمود، فهو يعيش بعيداً عنه أو خارج نطاق الزمن، أو يوجّه اهتمامه للنخبة ويتحدث بخطاب القلة، أو تراه مستبداً يرفض الآخر ولا يتحدث إلا بلغة الإقصاء والنفي ويمارس القمع! بينما ينجح الآخر حينما يكون مثقفاً شورياً أو ديمقراطياً يتحدث بلغة التعددية والتعايش والتسامح ويمارس الحرية والعدالة، فهو مثقف متحرك ينهض بدوره في المجتمع، منفتح ينتهج التجديد، متفائل يعشق العلم وينشر العدل ويزرع الحرية ويواكب الزمن ويعيش فيه، ويخالط الجمهور ويعايشهم ويتحدث بخطاب الكثرة.
والحق أننا نحتاج برامج تلفزيونية متحركة مع آمال المجتمع وتطلعاته، تتبنى الحرية والعدل وتخاطب الجماهير كُلاً بما يناسبه وليس (نُخبهم) كما هو حاصل الآن، كما يريد المشاهد برامج توعوية أكثر من فلسفية وتنظيرية! ولهذا فهي مطالبة بنشر رسالتها الثقافية داخل المجتمع المحلي وعلى الصعيد الإنساني العالمي، وتوسيع آفاقها ومنطلقاتها وأهدافها، وترسيخ مفاهيمها باللغة التي يفهمها العموم مما يحدث تناغماً جميلاً لأنها تتحدث عن قضاياهم ومشاكلهم التي يعانون منها والظروف التي يعيشون تحت أسرها، والآمال التي تراودهم، والأهداف والغايات التي تعيش في أفئدتهم؛ وكسر القيود الفكرية وفك الأغلال النفسية عن الإنسان، ونشر الأمن والعدالة في مجتمعهم، وبين البشر كلهم في شتى أرجاء الأرض.
وأكاد أجزم أن البرامج عندما تصل لهذه القناعة فإنها سوف تكون تنويرية بحق!