عبده الأسمري
بين الحرية والتحرر خط رفيع من الثبات والجهل، وتفصلهما نقاط قد تنقل الإنسان من أحقية العقل إلى هذيان السلوك.. فالحرية مطلب أنساني إذا توافقت مع الثوابت والقيم والمبادئ، وهي حق مكفول لكل إنسان في إطار تحدده السلطة وتؤطره الأنظمة.. أما التحرر فهو مفهوم هامشي جائل بلا حدود لا يستند إلى منطق ولا يعتمد على موضوعية، غير قابل للاستقرار، معرض للتمدد والتجدد وفق الأهواء الشخصية بعيدًا عن غطاء مجتمعي أو رداء شخصي يواري سوءة عيوبه.
عندما يسيطر الجهل على شخصية من الشخصيات سواء كان رجلاً أو امرأة، وحينما تقع هذه النماذج في دائرة الذاتية المفرطة فإنها ستكون عرضة للتأرجح بين حرية مباحة وتحرر محظور فتقع في ويلات الصراع النفسي والأيدلوجي مع منطلقات ثابتة وانطلاقات عشوائية نحو إشباع غرور نفس أو بحثًا عن شهرة أو ملاحقة لفلاشات باهته أو أن تكون صيدًا سهلاً لأضواء شديدة السطوع وضعت أمامها كي تحترق ويتشفى فيها «صناع فتنة» كانوا يبحثون عن شخصيات معينة لتنفيذ مآربهم.
عندما نتحدث عن حالات شاذة في المجتمع بعضها لم يظهر وأخرى ظهرت خارج الحدود تابعة بإمعية بائسة منادين للتحرر، فإننا أمام شخصيات مرضية وغير سوية ولو تم عرضها على أقرب طبيب في عيادة نفسية لشخص حالتها بجنون العظمة أو الاضطهاد أو الهلوسة أو الشيزوفرينيا، وعندما نصنفها في عرفنا الاجتماعي ومعرفتنا البديهية فإنها «شخصية جاهلة» تمارس السذاجة على حساب الذات والقيمة والهوية وكل شيء، رغم أنها لا تمثل سوى نفسها، لأن هذه الحالات تظل قانونيًا واجتماعيًا في دائرة «الفردية البحتة».
بعض الشخصيات نادت منذ زمن بحرية في هيئة تحرر وقوبلت تلك المطالب التي ترواحت بين الحملات الساذجة والملاسنات الشعواء لتكون في «سلة المهملات» و»مرمى التجاهل»، وحذفت من شاشات الواقعية وحتى الخيال، وظل بعضهم ينادي بأبواق مأجورة من الخارج ممارسين تحررهم في مجتمعات لا تفرق بين الحرية والتحرر ولا تميز الخبيث من الطيب.
الحرية في مجتمعنا مكفولة ومتاحة بنظام فريد وحتى إن شاهدنا دعاة تحرر فلا تتجاوز نداءاتهم مساحة غرفهم المظلمة، وعندما تم رصد حالات شاذة لسذج وجاهلين لا يملكون أدني درجات العقل فإن ذلك لا يعكس سوى نماذج نادرة استحل الجهل عقولها فنادت وتمادت وكان العقاب مصيراً محتوماً للسابقين وسيطال اللاحقين.
هنالك قنوات ومنصات حوار ورأي لنقاش سبل الحرية في كل ميادينها وأنواعها، وأهمها حرية الفكر والثقافة والتطور والتفتح الذهني والانفتاح الاجتماعي المرتبط بطبيعة حياتنا وطبع معيشتنا وطبائع تربيتنا، والمرتكز على قيم تعد من المسلمات مهما اختلفت الأزمان، ويظل العقل من يرسم خارطة الحرية ليجري بها لمستقر لها في مساحات المطالب ومن مرسى الأسس الدينية والاجتماعية والنفسية والثقافية حتى تكون هنالك حرية للقلم والفكر والتنمية والتطوير دون المساس بالثوابت على أن لا تتجاوز هذه الأفكار والتطورات الخطوط الحمراء المتماسة مع مساحات بلا حدود لتحرر مرفوض ينتظر انجذاب الساذجين واصطياد الجاهلين.