سعد بن عبدالقادر القويعي
اتسمت الجماعات الحركية في أدبياتها بالمراوغة، وبالغموض في أهدافها، وهيكلها المؤسسي، الذي لا يعلمه إلا عدد قليل من داخلها؛ فتراهم يُخرجون الناس من سعة الجماعة إلى ضيق حزبهم، ويطلبون من أتباعهم السمع، والطاعة فوق ما هو من حق ولاة الأمر، ويحصرون الخير في أنفسهم، وينادون على أنفسهم بالتزكية، بينما سوء الظن بعموم المسلمين، والحكم على مجتمعاتهم بالجاهلية، - ناهيك - عن حكمهم على الولاة بالتكفير هو شعارهم.
دلالات هذا اللحن الحركي معلومة، وذلك بتبنّي الكثير من الأفكار الدينيّة المتطرّفة الكامنة في الأذهان، والعقول، والقيام بالممارسات السياسيّة الخاطئة، والاتكاء على المنطلقات الفكريّة الشاذة؛ حتى تتحقق العزلة الشعورية، والطهارة السلوكية، وألق الرؤية الفكرية لدى الأتباع، والتي لم تنتج عن المواءمة بين الأفكار الشائعة؛ فكان من نتاج ما سبق، أن وظّفوا الإسلام - نفسه - لمصلحة السياسة المتغيرة، والمتقلبة، وغلبوا الجوانب التنظيمية، والسياسية على الجوانب الفكرية. كما اعتمدوا على أساليب ملتوية، تتحقق من خلالها الكثير من المناورة بين السياسة، والعنف؛ انطلاقا من منهج لا يلتزم بأي قيمة، أو مبدأ، وإنما منهج قائم على النفعية البحتة، وهو «الغاية تبرر الوسيلة».
نبتة التكفير في عصرنا أساسها حزب الحركيين، عندما أطلق عرابهم وصف «الجاهلية» على المجتمعات الإسلامية - كلها -، وأخوه صاحب كتاب «جاهلية القرن العشرين»، بل وارتكزت تلك الأطروحات على عدم الاعتراف بالآخر، والإقصاء التام على قاعدة التكفير، وقدمت الاعتبار للهوية الإخوانية على حساب الهوية الوطنية الفطرية، وهو ما أكدته تغريدة «مركز الحرب الفكرية» التابع لوزارة الدفاع السعودية، بأن: «نظريات جماعة الإخوان التي اعتزلت الأمة، ونعَت على دينها، ودُولها، ووصفَتها بالجاهلية الأولى، وهيجت عاطفة بعض شبابها على الكراهية، والعنف، والإرهاب، كانت نبتة شر في خاصرة الإسلام، نفخ فيها التدليس بشعاراتها، ودعم حاضنات إرهابها بمكايدَات، كانت الأكثرَ إسهاماً في تعرية فكرها، وكشف مُخَبَّـآتها».
حركات غير قادرة على استيعاب متغيرات العصر، فمن كفّر، وخوّن لا يعتمد أن يكون منظارا وطنيا في التشخيص. ومن اعتقد أن البيعة لا تكون إلا لخليفة المسلمين؛ - وبالتالي - لا يوجد - اليوم - معنى للبيعة الكلية، وإنما هناك ما يسمى بالبيعة الجزئية لجماعة الإخوان المسلمين، ومرشدها العام؛ فتحل محلها البيعة الجزئية المؤقتة، وتنحل تلقائيًا، وتصبح البيعة واجبة لخليفة المؤمنين إذا وجد خليفة للمسلمين، فإنه لا يعتمد - كذلك - أن يكون منظارا وطنيا في الشراكة؛ ولأن غياب التفكير المنهجي ذي المدى البعيد، أفرز اعتماد أسلوب الحركيين - بدءا - من الشعور بالمفاصلة، - ومرورا - بالصدمة الفكرية، - وانتهاء - ببناء الطليعة المؤمنة بالأفكار الصافية، فإن الإفلاس الرسمي لمشروع الإسلام السياسي لتلك الممارسات، والمحكوم عليها بالفشل هو النتيجة المتوقعة، وذلك وفق سنن التاريخ، والواقع؛ لأنها خرجت عن الخط الشرعي، وجعلتها خطيئة، وعامل فشل، وهزيمة متواصلة.