عبدالعزيز السماري
منذ ولادة الوعي في الأجيال العربية خلال العقود الخمسة الماضية وجدلية الحرب والسلم لا تتوقف في عقولهم، ولو كانت الصور تصدر أصواتاً لامتلأت الأجواء بضجيج الرصاص والمدافع والانفجارات، لكن نعمة النسيان تقوم بأداء المهمة، ومع ذلك لا زالت الذاكرة تسكنها سنوات الحرب والمناظر المروعة في بعض المناطق العربية..
يصف العرب أيام الحروب بأيامهم، وذلك تخليداً لذكراها، وقد خاضت القبائل العربية ربما أطول حرب في التاريخ، فقد قيل إن حرب بُعاث بين الأوس والخزرج دامت أكثر من مائة عام، وكان بعض شعراء العرب يقرعون طبول الحرب في أيامها..، يقول عمر بن كلثوم:
لنا الدنيا ومن أضحى عليها
نبطش حين نبطش قادرينا
نُسمى ظالمينَ وما ظُلمنا
ولكنا سنبدأُ ظالمينا..
وكان لحكماء العرب رأي مخالف لنزعة الحروب في العقل العربي، فقد قال عنها أمروء القيس:
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا استعرت وشب ضرامها
عادت عجوزًا غير ذات خليل
شمطاء جزت رأسها وتنكرت
مكروهة للشم والتقبيل
قد تتضح الصورة للقارئ عند رؤية الكرة الأرضية من بعد، ووضع إشارات على مواقع الحروب، وستبدو المنطقة العربية في صدارة عدد مناطق النزاع ومبيعات السلاح وعدد القتلى ونعرات الصراع والحروب، وهو ما يعيق التطور الطبيعي للعقل في هذه المنطقة، فالنشاط الذهني والإبداع يحتاج إلى ثقافة السلام والتسامح من أجل أن يستقر ويبدع ويعيش في سلام.
نبدو في تلك الصورة البشعة ضحايا سذج للانفعالات السياسية والاستبداد والنعرات الطائفية، والتي أوصلت المنطقة إلى مرحلة الدمار والهلاك، وقد يأتي يوم في المستقبل يقف فيها أحفادنا على الأطلال، تنعى بأسف وندم زمن الحروب الدموية التي أشعلها أجدادهم على الأرض، والتي كانت سبباً لفناء ثرواتها البشرية والاقتصادية، وسبباً لارتفاع الوفيات بسبب الأمراض والأوبئة، وقبل ذلك كانت عاملاً لقدوم المستعمر من جديد إلى الأرض العربية...
الصراع حول السلطة والثروات نزاع بدائي، وكان السبب خلف إندلاع كثير من الحروب المدمرة في تاريخ البشرية، بينما لو أدرك الإنسان ذلك مبكراً، لاختصرنا الزمن في رحلة الوصول إلى مجتمعات السلام والاستقرار، ومهما تعددت الأسباب سيظل السبب الأول للحروب هو نزعة غرائز الثروة والسلطة، وما الأغراض الطائفية والسياسية والقومية إلا مجرد غطاء لتلك النزعة البدائية الجهولة في فطرة الإنسان.
لو أعدنا الذاكرة السياسية خلال الخمسين سنة الماضية للعراق أو اليمن لا تضح أنها كانت تاريخاً للحروب والانقلابات والنزاعات، وأن الشعارات كانت مجرد وسيلة لتبرير الوصول إلى السلطة والثروة، والدليل على ذلك أن صور الفساد المالي والإداري لم تتغير مهما اختلفت صور وجوه السلطة في تلك البلاد.
الصراع حول الثروة والسلطة جوهر خراب التجمعات البشرية، ولهذا توصلت بعض الدول لنزع فتيل الحروب والفتن، وذلك بتحييد الثروة والسلطة في المجتمع، وكانت أول خطواتها أن منعوا التجمعات على أسس أيدولوجية إقصائية، وتحويل السلطة إلى إدارة محلية تقوم بمهام، وتخضع لرقابة الناس، وهو ما أهلهم للوصول إلى مجتمعات لا تفارقها أجواء السلام والنعيم..
في التاريخ العربي الحديث كانت المملكة في معزل عن آفات الحروب والصراع، وكان لذلك عوامل سياسية، ونحتاج دوما استرجاعها، وكان لذلك كبير الأثر على تطور الوعي في المجتمع بمختلف فئاته، وتعتبر العامل الأهم في الحفاظ على بعض المكاسب الوطنية، التي علينا أن نعض عليها بالنواجذ، وأن نعمل من خلالها من أجل توطين الاستقرار والسلام في أرض كان تاريخها قبل التوحيد المسرح الأكبر في العالم للصراعات والحروب الأهلية.. والله ولي التوفيق.