السؤال عن تقدّم الدول أو تراجعها في سلم التنمية أشغل كثيراً من الباحثين والمفكرين في العقود الماضية. أحد أبرز هذه المحاولات والتي لاقت صدى كبيراً هو التقرير الذي أعده عدد من الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد وبدعم من الحكومة الفرنسية في عام 2009م. هذا التقرير بدأ كمبادرة لمواجهة عجز المقاييس الاقتصادية عن عكس صورة حقيقة لتقدم المجتمع، حيث أشار التقرير إلى خطورة الاعتماد على الاقتصاد كمؤشر وحيد لقياس مستوى تنمية الإنسان والذي قد يأتي في أحيان كثيرة على حساب البيئة وعلى حساب صحة الإنسان وحياته الاجتماعية.كما شدَّد التقرير أيضاً على أهمية تجاوز المفهوم الاقتصادي (التقليدي)؛ وذلك من خلال إعادة تعريف التنمية لتشمل جوانب مهمة مثل التعليم، الصحة، والبيئة. كذلك يطرح التقرير مسألة أن مقاييس التنمية من المهم أن تراعي نظرة المجتمع وأولوياته وأهم القضايا التي تشغل أفراده أو ما يطلق عليه Subjective well-being.هذا الفهم الواسع لقياس التنمية أصبح أكثر قبولاً في العديد من الدول. من المحاولات الجادة هو ما بدأته أجهزة الإحصاءات العامة في دول مثل كندا وبريطانيا وأستراليا بالانتقال من قياس الناتج القومي الاقتصادي إلى قياس رفاه الإنسان للحكم بشكل دقيق على مدى نجاح سياسات التنمية. هذا التوجه هو من أجل تغيير النظرة في قياس التنمية من الأرقام والمخرجات الاقتصادية إلى الإنسان. هذا الفهم من الممكن أيضاً تطبيقه على جوانب معينة من حياة المجتمع. ففي جانب التعليم مثلاً، وجدت أثناء دراستي له أن الطالب يواجه تحديات مختلفة تتعلق بتعليمه وصحته وسلامته. أعتقد أن وجود مقياس متكامل يعكس تقدم الطالب في علمه وجوانب حياته يعطي سياسات التعليم إمكانيات أعلى للمساهمة في تنمية حياة الإنسان. أيضاً القياس المتكامل لحياة الطالب يوفر رؤية واضحة عن المعوقات التي قد يواجهها الطلبة لتعزيز تنميتهم الشخصية وتطوير مهاراتهم العلمية والسلوكية والاجتماعية.
** **
- دكتوراه في السياسة العامة: بحوث وتحليل سياسة التنمية والتعليم - جامعة فلندرز - أستراليا