ولاء باجسير - جدة:
في لقاء خاص بـ«الجزيرة» مع السيدة «سروي ناز جيت ساز»، رئيسة لجنة المرأة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تحدثت عن الانتفاضة الشعبية الإيرانية العارمة تجاه النظام الإيراني داخل طهران، وأهمية دور المرأة فيها، وعن الانشقاقات العسكرية للنظام الإيراني. كما أوضحت أن نظام الملالي وضع قوانين معادية للمرأة لجعل النساء الإيرانيات مضطهدات، إضافة إلى وجود مطالبات بضرورة طرد عملاء (قوة القدس) من الدول الأوروبية. كما جاء في اللقاء الآتي:
* ماذا واجه الشعب الإيراني المنتفض والمعتقل داخل طهران؟ وبرأيك ما الحل في ردع النظام والحد من اعتقالات المتظاهرين؟
- نظام الملالي دمر جميع الأسس والبنى التحتية للاقتصاد الإيراني؛ إذ إن الوضع الاقتصادي في إيران حرج للغاية، ويزداد سوءًا. وفي أقل من شهر انخفضت العملة الرسمية للبلاد بنسبة 15 % تقريبًا، والغلاء يفوق الوصف. وقد تضاعفت قيمة سلعة البيض الذي يعد غذاء رئيسيًّا في إيران بنسبة ضعفين تقريبًا في عام واحد، وهذا الشيء هو ما أدى إلى اشتعال فتيل الانتفاضة في مشهد؛ لأن الجزء الأعظم من عائدات إيران - ومنها ما كسبه النظام الإيراني نتيجة التوافق النووي مع الدول الغربية - أصبح جميعه مكرسًا للحروب وتصدير الإرهاب إلى خارج الحدود؛ لهذا السبب كان الناس يرددون باستمرار في الانتفاضة «اتركوا سوريا في حالها واهتموا بحالنا». ونتيجة لذلك سرعان ما تحوَّلت الشعارات إلى مطالب سياسية كبيرة. علمًا بأن الشعارات موجهة ضد رؤوس النظام الإيراني وجميع أركان نظام ولاية الفقيه برمته.
وثمة نقطة مهمة أخرى، تأتي خلافًا لتصور النظام الذي كان يعتقد أنه يحظى بدعم طبقات المحرومين والكادحين والعاملين؛ فقد وقفت هذه الطبقات ضد هذا النظام البغيض، ومع ذلك خلافًا لأعمال العصيان التي حدثت وتحدث في أنحاء مختلفة من العالم ضد الفوارق الطبقية والفقر فإن انتفاضة الشعب الإيراني لا علاقة لها أبدًا بالهجوم على المحال التجارية وممتلكات الشعب الإيراني. وقد استهدفت خلال مسيرتها فقط مراكز النهب والقمع التابعة للنظام؛ إذ اعترف مسؤولو النظام أنفسهم بأنه تم الهجوم على مكتب لأئمة الجمعة خلال مسيرة الانتفاضة، ولكن فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالكم: (ما هو الحل لمنع المزيد من الاعتقالات؟)..
- أولاً، وفقًا لمعلوماتنا تم القبض حتى الآن على أكثر من 8000 شخص، واعتقالهم من قِبل النظام. كما تم قتل العشرات، ومنهم 11 شخصًا على الأقل، استُشهدوا أثناء الاعتقال تحت التعذيب. ونحن ندين اعتقال النساء، وندعو لإطلاق سراحهن فورًا. وبرأيي، هناك ضرورة لضغط دول العالم، خاصة الدول الغربية، وعليها (ألا تساعد النظام الإيراني حتى ولو بكلمة واحدة)، وألا تضحي بقيم ومبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية التي تلتزم بها بسبب تجارتها وتعاملها مع النظام. والأهم من ذلك أن لا تسكت على جرائم هذا النظام. وبطبيعة الحال، فإن الغرب وبحجة أنه يريد تعزيز وتقوية الجناح المعتدل في النظام ينتهج سياسات التماشي والتهدئة مع نظام الملالي، ولكن في الحقيقة أنه من جانب الشعب الإيراني يرى أن الأجنحة الحاكمة المحافظة والمعتدلة لم يعد لها أي معنى، وقد أظهروا ذلك بوضوح من خلال صراخهم في الشوارع بشعار (أيها الإصلاحي وأيها المحافظ هذه هي نهاية القصة)؛ فلذلك الحل الوحيد والطريقة الوحيدة لوقف عمليات الاعتقال والقتل من قِبل أولئك الذين هم أنفسهم مسؤولون عن الفساد والتخريب هي: (أن تتوقف الدول الغربية عن سكوتها وعدم فاعليتها، وعن إبرام الصفقات مع النظام الإيراني). ولأن القسم الكبير من استثماراتها يصب في جيوب قوات الحرس الثوري التي هي نفسها العامل الرئيسي للقمع في الداخل، ولتوسيع الحروب للخارج في المنطقة؛ فالشعب الإيراني لا يستفيد شيئًا من هذه الصفقات والمعاملات البتة. وفيما يتعلق بدول المنطقة أعتقد أيضًا أن على المثقفين والكتّاب والمحللين العرب أن يكتبوا عن ذلك، وأن يقولوا إن المعادلة ليست فقط بين النظام الإيراني والدول الغربية وغير الغربية، بل هناك معادلة أساسية محددة، وينبغي ألا تنسى بأي شكل من الأشكال.. إن المعادلة بين النظام الإيراني والشعب الإيراني؛ فالشعب الإيراني لا يريد هذا النظام، وعقد عزمه على إنهائه، ولا بد من الاعتراف بهذه الحقيقة، ولا بد من دعم المقاومة التي تعكس هذه الحقيقة التي ترمز إليها السيدة «مريم رجوي». وهذه هي الطريقة الحقيقية والجادة والعملية للتخلص من هذا النظام الإجرامي.
* ما صحة البيان التوضيحي عن وجود انشقاقات عسكرية بالحرس الثوري الإيراني وانضمامهم للمنتفضين؟
- أود الإشارة إلى أن هناك انشقاقات بالصفوف العسكرية الإيرانية، وأن هناك حالات استياء كبيرة داخل القوات القمعية للنظام الإيراني. مثلاً: بعض أعضاء الباسيج أحرقوا بطاقاتهم، وأداروا ظهرهم للنظام، وقال القائد العام لمليشيات الباسيج (غيب برور): «إن العديد من عناصر الباسيج ليسوا موالين للنظام الإيراني، وإنهم أخذوا بطاقاتهم الباسيجية من أجل حل مشاكلهم المعيشية». فمن الطبيعي أن كل من يبتعد عن هذا النظام مكانه بين الشعب.
* حدثينا عن دور النساء بوصفهن مواطنات إيرانيات ضد نظام الملالي.. ما جهود المرأة في المعارضة الإيرانية؟
- مع ظهور «الخميني» وسلطة ولاية الفقيه كانت النساء مستهدفات منذ البداية، وهي الهدف الأول للنظام في القمع الموسع. وفي الواقع عمل الملالي على اتخاذ سياسة مختلقة وحجج عن طريق وضع القوانين المعادية للمرأة، وجعلهن مواطنات من الدرجة الثانية. وبالطبع، يجب أن أقول إن جميع مساعي الملالي المبذولة لم تكن قادرة على إخراج النساء من المشهد الحالي. وأحد الدلائل على ذلك هو الحضور الواسع للنساء والأخوات الشابات في منظمة «مجاهدي خلق»، ونشاطهن في تلك الفترة.. طبعًا بأثمان باهظة دفعتها العديد من النساء والفتيات في سبيل دعم «مجاهدي خلق»، والكثير منهن تعرضن للاحتقار والإيذاء والاضطهاد من قِبل عصابات بلطجية الملالي التي تحمي النظام؛ إذ استُشهد العديد منهن في سبيل ذلك.
وبعد 30 يونيو 1981، عندما أعلن «الخميني» الحرب على «مجاهدي خلق» عمليًّا، وأباح إراقة دمائهم، بدأت عمليات الاعتقال بحق أعضاء المنظمة على نطاق واسع، وتم القبض على النساء والأخوات المجاهدات، وتعرضن للتعذيب الوحشي، ومن ثم تم الحكم عليهن بالإعدام والموت. وكان الثلث من أصل 120.000 شهيد من المقاومة الإيرانية من النساء، كما كان هناك مقاومة بطولية للنساء، خاصة النساء في السجون وغرف تعذيب نظام ولاية الفقيه، وهي بمنزلة تاريخ فريد من تاريخ نضال المرأة في العالم.
وكانت هناك مفارقة، هي أن النساء والفتيات لم يكن لهنّ الحق في المساواة في الحقوق مع الرجال على المستوى الاجتماعي، وما زالت الحالة قائمة، ولكنهن تعرضن للتعذيب والاضطهاد في السجون وغرف التعذيب، وأحيانًا يتعرضون للتعذيب بشكل مضاعف بسبب كونهن نساء؛ إذ رفض القضاء الإفراج عنهن من خلال تحديد كفالات باهظة يتعذر دفعها، لكن نساء هذه المقاومة لم يغبن عن هذا المشهد أبدًا؛ فالكثير منهن فور إطلاق سراحهن من السجن انضممن فورًا إلى صفوف المقاومة، وواصلن نضالاتهن، وقد استمرت هذه النضالات على مدى العقود الأربعة الماضية، وعلى وجه الخصوص أصبح دورهن أكثر وضوحًا خلال الـ 14 عامًا من وجود المقاومة في معسكر أشرف وليبرتي في العراق؛ لأن قيادة المعركة الثقيلة والمعقدة والدموية كانت على عاتق أخواتنا المجاهدات. وفي الحقيقة، كانت المجاهدات هن الدافع والمحفز لكثير من النساء الإيرانيات. وبوجود المرأة في قيادة المقاومة والاعتراف بنضالها كان لذلك على الفور آثاره الخاصة في المجتمع الإيراني؛ إذ سرّع وعجّل التوجه النسائي إلى المقاومة في إيران. ونحن لا نتكلم عن مثال واحد أو اثنين أو عن عدد قليل من النساء، ولكننا نتكلم عن طابور من النسوة الأكفاء اللاتي يقدن حركة المقاومة الإيرانية في أخطر فترة برئاسة «مريم رجوي» الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة التي لعبت دورًا حاسمًا في الحملات الدولية لهذه الحركة، وحققت انتصارات كبيرة للمقاومة؛ لذلك - وباختصار - على النساء القيام بدور محوري في استمرار وتوسع هذه الانتفاضة حتى تدمير النظام الدكتاتوري، والإطاحة به، كما هو الحال الآن، وأن يؤمنَّ بدورهن ووجودهن في كل مشهد محفز وحاسم، وهذا هو السبيل لتحقيق النصر؛ فنحن نساء المقاومة الإيرانية لا نعرف الكلل ولا الملل.
* هل المعارضة الإيرانية لديها القدرة على إدارة البلاد في حال وصولها للسلطة؟ وهل هناك مجلس وزراء قابل للتشكيل؟
- المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، باعتباره أقدم ائتلاف في تاريخ النضالات في إيران، هو البديل الديمقراطي لنظام الولي الفقيه؛ فالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يناضل من أجل إقامة جمهورية المجتمع المبني على أسس احترام حقوق الإنسان ومساواة المرأة والرجل، وسيحترم النظام المقبل سيادة القانون، وسيكون في غاية الشفافية؛ ما يسمح بمشاركة الجمهور في صنع القرار. والقوة المركزية لهذا المجلس هو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية الملتزمة بالإسلام الحقيقي (الإسلام المتسامح والديمقراطي). وكما قلنا دائمًا: ما يفعله الملالي وما يقولونه لا علاقة له بالإسلام، وهم أشرس أعداء للإسلام. تغيير النظام الإيراني هو مطلب كل الشعب الإيراني، وهو مطلب عملي جدًّا وقابل للتحقيق. وإن وجود هذا البديل الديمقراطي ودوره الحاسم يمثل الطموحات التحررية للشعب الإيراني، وهذا البديل له كل الهياكل الضرورية من البرلمان والحكومة المؤقتة إلى القواعد والقوانين اللازمة لإدارة البلاد بعد رحيل الملالي.
* في أحد مؤتمرات المقاومة الإيرانية اتخذت خطوات، منها: «طرد عملاء قوة القدس الإرهابية من الدول الأوروبية».. فما هي الإجراءات التي تساهم في إنجاح طردهم؟
- قوات الحرس هي عبارة عن قوة في يد الولي الفقيه، وتسيطر على كامل اقتصاد البلد بشكل تام، وفي الداخل مهمتها هي قمع الشعب، ومهمتها في خارج حدود إيران إثارة وتصدير الحروب. اليوم يأتي تحذير المجتمع للولي من خطورة قوات الحرس الثوري متأخرًا جدًّا، ولم يتم اتخاذ خطوات عملية مناسبة في أوروبا بهذا الخصوص حتى الآن؛ إذ دعت السيدة «مريم رجوي» في مؤتمر البرلمان الأوروبي إلى أكثر من سلسلة من المواقف السياسية، وإلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العملية والفورية في هذا الخصوص، التي تشمل:
- إدراج قوات الحرس تحت اسم (قوة إرهابية)، ومنع وصول هذه القوة للتعامل مع النظام البنكي العالمي.
- إخراج قوات الحرس والمليشيات التابعة لها في سوريا والعراق والبلدان الأخرى، ومنع انتقال هذه القوى والسلاح عبر قوات الحرس إلى هذه البلدان.
- إخراج مرتزقة قوات القدس الإرهابية ووزارة المخابرات من دول أوروبا وأمريكا.
فقط عن طريق اتخاذ هذه الإجراءات ستتحرر بلدان المنطقة من نيران الحروب الحارقة وشرور الملالي، وسيعود السلام والاستقرار للمنطقة والأمان لكل العالم.