ناصر الصِرامي
قد ننسى العلم، ونعتقد أن التكنولوجيا/ التقنية برامج آلية، تتحكم بنا، وليست من صنع الإنسان. للحظة قد يغيب خيالنا عن علماء وبشر مبدعين خلف كل هذه الثورات من حولنا..!
العلم الذي أوجد التقنية يصرُّ على التقدم والمفاجأة، ويسهم العلماء (البشر) في خلق نقلات أقرب إلى الخيال.. وتبتعد باستمرار كثيرًا جدًّا عن تصورات الجاهلين!
الأسبوع الماضي أُعلن في تركيا عن تمكُّن فريق طبي دولي مشترك من تطوير أعضاء بشرية بتقنية ثلاثية الأبعاد باستخدام صور شعاعية للأعضاء الحقيقية.
وأطلق الفريق مشروعًا تعليميًّا ضمن برنامج خاص بالأعضاء التي يتم إنجازها بواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، وطرق الواقع الافتراضي المستخدمة في العمليات الجراحية.
المشروع الأول من نوعه في تركيا جرى بمشاركة أطباء من التشيك وإيطاليا واليونان وجنوب إفريقيا، وشمل أطباء في أقسام المسالك البولية وأمراض النساء والولادة والجراحة العامة وعلم التشريح والطب الحيوي ومهندسي كمبيوتر. نعم، شمل مهندسي كمبيوتر وبرمجيات وعلماء رياضيات..! الفريق قُدِّم ضمن إطار المشروع على نماذج ثلاثية الأبعاد لأعضاء الإنسان، تطابق تمامًا الأعضاء البشرية الحقيقية بما تحتويه من أجزاء مريضة أيضًا!
ركِّز جيدًا.. تمت طباعة أعضاء حقيقية للإنسان، تقوم مقام الأعضاء التالفة أو القديمة أو المستهلكة..!
والطابعة ثلاثية الأبعاد التي تطبع كل شيء اليوم، من المنازل للأسلحة للأجهزة لفرشة الأسنان، وإلى كل ما تلمسه، ضاعفت الاهتمام بالأعضاء الاصطناعية، التي من المفترض أن تستبدل أو تحسِّن عمل الأعضاء البشرية. وكان النموذج الأولي للأذن الخارجية؛ إذ تمت طباعة الهيكل الخارجي للأذن، ودُعِّم بخلايا حية قابلة للنمو لتكوين الغضروف، وجسيمات فضة نانوية لتشكيل هوائي يستقبل الصوت. وكانت تلك مقدمة للتوسع الكبير في استخدامات الطباعة ثلاثية الأبعاد.
ومن بين كل أنواع الطباعة الثلاثية حققت طباعة الأعضاء البشرية 537 مليون دولار في العام الماضي، بزيادة نحو 30 % عن العام السابق. نمو هائل ومتواصل، سيعمل بالتأكيد على تسريع هذه التقنية الدقيقة، التي ستعوض الإنسان عما قد يفقده من أعضاء، أو عما قد يحدث من خلل لتقادم أو تلف أو استهلاك أعضاء جسده..!
يستمر العلماء بتقديم تقنيات ثورية، سوف تُستخدم فيها الخلايا الحية، كأحبار يتم تجميعها في طبقات لعمل أنسجة! وتقوم شركة الطباعة الحيوية «أورجانوفو» Organovo الأمريكية ببيع هذه الأنسجة بالفعل للباحثين. الآن تعمل الشركة نفسها على توفير شرائح من أنسجة مطبوعة لإصلاح الكبد البشري!
الطباعة ثلاثية الأبعاد ستقدم أعضاء كاملة لتعويض النقص في الكلى والأكباد المتاحة لعمليات الزراعة لكل الأعضاء. قد تبدو الفكرة معقدة أو ضربًا من الخيال للبعض.. لكن هذه مسيرة العلم التي لم ولن تتوقف عن بناء المستحيل.. وفي كل مرة بالطبع تخلق جدلاً أخلاقيًّا في سيرها للمستقبل.. لكنها مستمرة في التقدم على كل حال..!