د. أحمد الفراج
بعدما فاز الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، برئاسة أمريكا في عام 1992، بعد جولات انتخابية شرسة، في انتخابات ثلاثية، أمام الرئيس، جورج بوش الأب، ومرشح حزب الإصلاح، الملياردير روس بيروت، ظهرت على السطح صورة أرشيفية لكلينتون مع الرئيس الشهير، جون كينيدي، الذي اغتيل بطريقة مأسأوية، في مدينة دالاس بولاية تكساس، في عام 1963، وكان كلينتون في تلك الصورة فتى يافعاً، لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ولم يكد كلينتون يبلغ الثلاثين، حتى حلق في عالم السياسة، كوزير للعدل، ثم كحاكم لولاية أركانسا الجنوبية الزراعية، ثم أصبح رئيسًا، في عمر السادسة والأربعين، وكلينتون ليس الوحيد في هذا السياق، فهناك غيره كثر، اتضح بعد فوزهم، سواء بالرئاسة، أو مقعد في الكونجرس، أو غيرها من المناصب، أن لهم تاريخًا سابقًا في القرب من النخب السياسية.
في الديمقراطية الأمريكية، يصعب على أي طامح بمنصب سياسي أن يتقدم، دون تحقيق الحد الأدنى مما يتطلبه ذلك، مثل القرب من المؤسسة الرسمية، والانتماء لأحد الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، والانغماس في دهاليز واشنطن، وتزكية من لوبيات المصالح، أو بعضها على الأقل، ومن خرج عن هذا السياق، أو ناكف لوبيات المصالح، يصبح حظه في الفوز، مثل حظ شعبان عبدالرحيم بالفوز بجائزة نوبل في الفيزياء، وقد جرب كثيرون، فكان مصيرهم الفشل، مثل الإعلامي المحافظ والشهير، بات بوكانون، الذي جرب الترشح للرئاسة على أجندا أمريكية خالصة، وناكف منظمة ايباك الشرسة، وانتقد إسرائيل، فكان مصيره خوض التجربة وحسب، ولعله أراد بذلك أن يثبت للشعب الأمريكي، ولجمهوره خصوصا، أنه لا يمكن لأمريكي أن يفوز بمنصب سياسي، دون أن يرضخ للاشتراطات الصعبة.
باراك أوباما لم يكن استثناءً من ذلك، فهناك من أدرك مواهبه منذ الصغر، وإلا ما معنى أن تنشر جريدة النيويورك تايمز العالمية العريقة مقالا عنه، بعد أن فاز برئاسة تحرير واحدة من أعرق المجلات العلمية، إن لم تكن أعرقها، وهي مجلة كلية القانون بجامعة هارفارد العريقة، وكان أوباما حينها في الثامنة والعشرين من عمره، أي قبل أن يفوز برئاسة أمريكا بحوالي عشرين عاما، ما يعني أنه كان محط النظر منذ ذلك التاريخ، ولم يكن شخصية مجهولة، قررت فجأة أن تغامر في مجال السياسة، كما نقرأ أحيانا في الإعلام العربي، وكلينتون، وأوباما من بعده، أمثلة لعشرات، بل مئات غيرهم، برزوا في مناصب مختلفة، وقليل من يعرف تاريخ هذا البروز، الذي لم يكن صدفة بكل تأكيد، إذ هو نتيجة عمل جبار، لم يقم به السياسي وحده، بل حصل على دعم كبير، ولكنه غالبًا دعم لا يعلم عنه أحد، إلا في مراحل متأخرة، أي بعد أن ينجح هذا السياسي، ليتم بعد ذلك إبراز الأمر وكأنه صدفة محضة، وما أكثر الأشياء، التي نعتقد أنها حدثت صدفة!.