تقديم المترجم: هنا ورقة من تأليف الباحثتين هيا المغني وماري آن تيترو نشرت في نوفمبر 2004 كفصل في كتاب «المرأة والإعلام في الشرق الأوسط: القوة من خلال التعبير الذاتي»، تحرير: ناعومي صقر، لندن، آي بي توريس للنشر. هيا المغني عالمة اجتماع كويتية، عملت في الهيئة العامة لتقدير التعويضات عن خسائر العدوان العراقي. وهي مؤلفة كتاب «النساء في الكويت: سياسات الجندر»، لندن، دار الساقي، 174 صفحة، عام 2001. البروفيسورة الراحلة ماري آن تيترولت (1942-2015) عملت أستاذة فخرية في الشؤون الدولية في جامعة ترينيتي في مدينة سان أنتونيو، ولاية تكساس الأمريكية؛ وهي مؤلفة كتاب «قصص الديمقراطية: السياسة والمجتمع في الكويت المعاصرة»، عام 2000، نيويورك، قسم النشر بجامعة كولومبيا، 326 صفحة:
تتناول هذه الورقة دور الصحف في المناقشات حول حقوق النساء في الكويت. وعبر استعراض أكثر من 40 عاماً من تغطية الصحافة المطبوعة، واستنادا إلى بحوث ميدانية ومقابلات مع ناشطات، نرى أن الصحف الكويتية فيما يتعلق بحقوق المرأة ليست مؤيدة للوضع المحافظ الراهن (نوفمبر 2004) ولا نصيرة تقدمية موثوقة للتحرر. وتعد التغطية الصحافية وتصورات النشطاء لتلك تغطية أكثر تعقيداً. وتبدو التغطية، عموما، منصفة فيما يتعلق بالنشاط السياسي للمرأة. ويبدو أن مناصري حقوق المرأة وخصومها يتمتعون بوصول متساو نوعا ما إلى الصحافة، إما كقصص خبرية أو كمؤلفين لمقالات الرأي. وفي الوقت نفسه، تفضّل وسائل الإعلام نشر المواد المناصرة للمرأة والتي تعكس نفس وجهة نظر الناشر المعني. ومن ثمّ، يجب على القارئ أن يفحص أكثر من جريدة واحدة، ليتوصل إلى نتيجته الخاصة عن «التغطية المتوازنة» بدلا من الاعتماد على صحيفة واحدة؛ غير أن هذه المهمة تتعقد بسبب التنوع المتزايد في الحركة النسائية والتعقيدات الناتجة من تحديد أهداف واستراتيجيات المرأة. وفي مواجهة هذا التنوع حدث ميل معاكس في وسائل الإعلام إلى اختزال وتبسيط نشاط المرأة، ليصبح مجرد «خلاف بين طرفين». وبالرغم من تلك الظروف، تعتقد ناشطات كويتيات أنهن حصلن على تغطية عادلة إلى حد ما من قبل الصحافة المطبوعة.
وسائل الإعلام والسياسة
تستند العديد من النظريات المعاصرة حول الدور السياسي لوسائل الإعلام إلى دراسات أجريت على دول كبيرة، وركزت في المقام الأول على الإعلام الإلكتروني. (1) وفي الدراسة التي ربما تعد الأكثر أهمية عن دور الإعلام الجماهيري في تشكيل الهوية الوطنية، فحص الباحث بنديكت أندرسون (2) الدور التاريخي للصحف والروايات الرائجة في خلق إحساس بالانتماء إلى المجتمع وملئه بمضمون محدد يُمَكِّنُ أعضاءه من تخيل أنفسهم كجزء من «كل» أكبر، ومنفصلين عن الآخر غير الوطني. (3) وأكد أندرسون الطابع التجاري للصحافة لشرح دورها المهم. وقال إن «رأسمالية المطبوعات» تقدم «قوة دافعة حيوية ثورية» تخلق خلال سعيها إلى البحث عن أسواق لمنتجاتها «مجالات موحدة للتبادل والاتصال».(4) وكنتيجة ثانوية لهذه العملية، يتم توحيد اللغة عبر المجموعات السكانية الوطنية، ولا يؤدي هذا فقط إلى تحسين التواصل داخل الدولة؛ بل يجعل اللغة أيضاً أداة أكثر فعالية لممارسة السلطة السياسية من قبل الدولة. وفي الوقت نفسه، فإن توجه السوق إلى صحافي الجريدة المطبوعة، وهي وظيفة سياسية حديثة نشأت في ما سمي بـ«العالم الجديد» في القرن الثامن عشر وجسدها السياسي والمخترع والصحافي الأمريكي الشهير بنجامين فرانكلين (1706-1790) لتقوم بدمقرطة الاتصال الجماهيري عبر توفير الأخبار استجابة لطلب السوق. ولهذا، فإن الأخبار ليست ببساطة اتصال من أعلى إلى أسفل، أي من الدولة إلى الأمة؛ ولكنها أيضاً وسيلة للحي والمنطقة والسوق.. وفي نهاية المطاف، أولئك الذين يشغلون مناصب أخلاقية وأيديولوجية مختلفة لتعريف أنفسهم والتحدث مع بعضهم البعض كأعضاء في مجتمع وطني. ويعد تعدد وسائل الإعلام التجارية، نظريا على الأقل، الأساس لمبدأ «سوق الأفكار» الذي ابتكره الفيلسوف والسياسي البريطاني جون ستيوارت مل، حيث يمكن للقراء والمستمعين والمشاهدين العثور على تنوع في التغطية، والقصص الإخبارية والآراء المناسبة لاحتياجاتهم الفردية. إن السمة التجارية للصحافة تؤدي إلى عيوب في التغطية الصحافية؛ فالناشرون يستغلون ملكيتهم لتلك المنابر المعلوماتية لمنع نشر الآراء والمعلومات التي تخالف وجهات نظرهم لا بل ويقومون بتشكيل محتوى صحفهم ليتفق مع مواقفهم الأيديولوجية. وحيثما كانت هناك منافسة على القراء والمشاهدين، أثبتت الدراسات أن المنتج الإخباري يميل إلى أن يصبح موحداً. ومن المرجح أن هذا الأمر ينطبق على الإعلم الإلكتروني أكثر من المطبوع نظرا للنمط الخاص لاستعمال وسائل الإعلام الإلكترونية. وبالرغم من أن «المستهلك» يمكنه أن يرى أو يس مع البرامج على أكثر من محطة واحدة عن طريق تسجيلهم، فإن هذا النمط نادر مقارنة مع استهلاك الصحف أو المجلات الإخبارية المتعددة. وبالرغم من ذلك، تغطى قصص أقل عموما في الإعلام المطبوع والمرئي، وضمن تلك القصص التي يتم تغطيتها تتوفر معلومات وإشارات سياقية أقل (خلفية تاريخية، تحليل، تعليق). (5) استمرار وتكرار القصص يصبح بسرعة نمطياً، وقد يقود إلى ما «يتصوره» مالك وسيلة الإعلام تحيزات وتوقعات لسوقه المستهدفة. (6) وعندما درس دانيال هالن التغطية الأمريكية للمتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام، وجد أنه عندما تمت بالكاد تغطية الجماعات والأفكار المخالفة للسائد، فإن التغطية كانت تميل إلى «تهميش والتقليل من شأن السياسات التي يناصرنها». (7) ونظراً لأن جميع الاستنتاجات السابقة تبدو أنها قابلة للتطبيق على التغطية الإخبارية للمجموعات النسائية وحقوق المرأة، فإن هذه الورقة تفحص مثل هذه التغطية في السياق الكويتي مع أخذ تلك النتائج في الاعتبار.
يتبع
** **
ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com