.د.عبدالله بن محمد الشعلان
كذلك تم التفكير بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة لكي تتولى هذه المدينة مهام إعداد برامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في المملكة وبخاصة في مجالات توليد الكهرباء والطاقات المتجددة وتحلية المياه وتحضير النظائر المشعة لاحتياجات الأبحاث الطبية والصناعية مما سيمكن المملكة من استشراف حاجة المجتمع والتخطيط لتلبيتها بشكل مدروس ودقيق يساعد في زيادة معدلات التنمية ويعطي المملكة القدرة المعرفية ضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع الأمان النووي التي تنظم استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وتوفر المواد الضرورية للاستخدامات الطبية والزراعية والصحية وكافة الاحتياجات الوطنية، وهذه المدينة تفتح بابا واسعا للمساهمة في التنمية المستدامة في المملكة وذلك باستخدام العلوم والأبحاث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، بما يؤدي إلى توطين التقنية ورفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وبخاصة أن المملكة تشهد نموا مطردا وبمعدلات عالية للطلب على الكهرباء والمياه المحلاة وذلك نتيجة للنمو السكاني وصالامتداد الحضري إلى جانب الأسعار المدعومة للمياه والكهرباء، ويقابل هذا الطلب المتنامي على الكهرباء والماء طلبا متزايدا على المواد الأحفورية (النفط والغاز) لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه التي ستستمر الحاجة لتوفيرها بشكل متزايد، ولذلك فإن استغلال مصادر بديلة مستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة سيقلل من الاعتماد على تلك الموارد الأحفورية القابلة للنضوب وبالتالي يوفر ضمانا إضافيا لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المستقبل ويحفظ في الوقت ذاته تلك المصادر الثمينة من التلاشي والاندثار الأمر الذي سيؤدي إلى إبقائها مصدرا للدخل لفترات طويلة من الزمن. وضمن إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030 التي اختطتها المملكة نحو تحول حقيقي في اتجاه المستقبل فقد تم الإعلان مؤخرا عن مشروع مدينة «نيوم» الذكية، والتي ستسطر تاريخاً جديداً وترسم مستقبلاً مشرقا للمعيشة في المملكة بل وللعالم أجمع. والمدن الذكية أضحت مطلباً وضرورة ولم تعد مجرد رفاهية وترف في ظل الحاجة إلى الاستدامة وفي عالم ترتفع فيه أسعار الطاقة وتزداد فيه ندرة الموارد الطبيعية، إلى جانب تقلبات المناخ والبيئة، وازدياد حدة ظاهرة الاحتباس الحراري، واتساع ثقب الأوزون، وارتفاع وترة المنافسة التجارية والاقتصادية حيث يتنامى ويزداد قلق المستهلك بشأن جودة الحياة والصحة والأمان، وتغدو الاستدامة ضرورة لا بديل عنها لمواكبة التطورات والأحداث، وحسب ما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس) فإن منطقة «نيوم» ستركز على تسعة قطاعات استثمارية مستقبلية متخصصة وهي: مستقبل الطاقة والمياه ومستقبل التنقل والمواصلات والتنقل ومستقبل التقنيات الحيوية ومستقبل الغذاء ومستقبل العلوم التقنية والرقمية ومستقبل التصنيع المتطور ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي ومستقبل الترفيه وأخيرا مستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات. كما سيعمل مشروع «نيوم» على جذب الاستثمارات الخاصة والشراكات الحكومية، وسيكون علاوة على ما سبق وجهة اقتصادية واستثمارية واعدة، إذ سيتم دعم المشروع باستثمارات تبلغ قيمتها 500 مليار دولار أمريكي من قبل المملكة وسيوفر فرصاً جاذبة للمستثمرين بالوصول للسوق السعودي مباشرة بلا قيود، بالإضافة إلى الأسواق العالمية؛ لكون المنطقة مركز ربط بالقارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، كما سيتيح هذا المشروع الطموح - من خلال البيئة التنظيمية المريحة التي ستتمتع بها المنطقة - المشاركة في صياغة الأنظمة والتشريعات، كما سيحظى أصحاب الأعمال والاستثمار بدعم تمويلي لإقامة المشاريع التي تخدم أهداف مشروع «نيوم». هذا بالإضافة إلى أن المشروع سيكون منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى المفروضة عادة على الأعمال التجارية، فيما عدا الأنظمة السيادية؛ مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة، وفضلاً عن ذلك سيوفر فرصة استثنائية للحدّ من تسرب الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر إتاحة فرصة الاستثمار داخل المملكة لكل من يستثمر أمواله في الخارج، وبالتالي تقليص التسرب المالي نتيجة توفر الفرص الاستثمارية الضخمة، كما سيخلق فرصاً جديدة للاستثمار في قطاعات جديدة ومبتكرة، بالإضافة إلى استفادة المستثمرين في المشروع من الموارد الطبيعية والطاقات المتجددة. يضاف إلى ذلك، أن المشروع سيسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وبفضل موقعها الفريد على البحر الأحمر، وشواطئها الخلابة، ومناظرها الطبيعية، فإن الفرصة مواتية لـ«نيوم» لتصبح الوجهة السياحية الأولى والمفضلة عالمياً بل وستصبح «نيم» مهيئة لاستيطان ملايين البشر من المواطنين والمقيمين، كما ستحل «الروبوتات» بديلاً للبشر للقيام بالأعمال الشاقة والمهام المتكررة وذات الحساسية من أجل أن يتفرع البشر للقيام بالمهام الإجرائية والتنفيذية والإبداعية، كما يقدّم المشروع مزايا قيمة للشركات والأفراد، بحيث يلبي احتياجات المملكة، ويستقطب أفضل الشركات وأصحاب الكفاءات من جميع أنحاء العالم، وسيتم تطبيق أعلى معايير السلامة والأمان في مشروع «نيوم» عالمياً وأرقى الأنظمة الاجتماعية كركيزة أساسية للمعيشة المثالية المريحة والمنتجة معا.
فذلكة ختامية:
وأخيرا، لعلنا نستهلم من تلك التجارب التي مرت بها وعايشتها بعض من الدول العربية والإسلامية نبراسا مضيئا ومشعلا هاديا ينير لنا دروب وآفاق التحول لنقل التقنية وغرسها وتوطينها في بلداننا العربية والإسلامية، وهذا التحول - بلا شك - قد يصحبه متغيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية وعلى الإنسان (في أي موقع كان) أن يعي عملية التكيف والتواؤم مع تلك المتغيرات. إن الأرض الطبيعية الخصبة لغرس مثل هذا الوعي ينبثق بلا شك من المؤسسات التعليمية بدءا من التعليم الأوّلي ثم الجامعي ثم التخصص الدقيق والأبحاث، ويكون الغرض من ذلك هو تهيئة المسار المريح الذي تمر به التجربة العلمية عبر هذه المراحل المتتالية لتتفاعل وتأخذ نموها الطبيعي نحو الإدراك والإستيعاب والتطبيق. وهناك أيضا المؤسسات العلمية ودور البحث ونشر العلوم والمكتبات التي تقع على عاتقها مسؤولية جسيمة نحو تسيير دفة البحوث وإذكاء الأفكار ونشر المعارف ودعم الابتكارات ورعاية الإبداعات في مجالات التقنية المختلفة، وبهذا يتحقق الهدف نحو تنمية القوى البشرية وتطوير القوى الماهرة ورعاية الملكات الإبداعية وإيجاد بيئة تجمع في كنفها مظاهر الإنتاجية ونموذج العقل الشمولي الذي يوفر قاعدة مثالية لذلك، لذا فإننا نتطلع ونأمل أن نشهد في بلداننا العربية والإسلامية استمرارا في نقل التقنية وبمعدل عال قد يستبق قدراتنا على الحفاظ عليها وتوطينها مما يلزم البحث عن السبل الكفيلة بإدارة التقنية بفهم أفضل وفعالية أكبر وشمولية أكثر، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.