د.عبدالله الغذامي
لا أظن مصطلحا عانى من تعنت الإنسان مثل ما يلقاه مصطلح الحرية من تعنت ، حتى ليقع المصطلح نفسه في حال من الاستبدال في التعريف وفي التطبيق ، وفي تاريخ الثقافة البشرية ظل البشر يطلبون الحرية ويرفضونها في آن واحد ، فهم يطلبونها لأنفسهم ويسمحون لذواتهم أن تتصرف بحرية تامة لدرجة استعباد غيرهم ،وفي الوقت ذاته حينما تمارس الحرية من غيرهم يرفضونها ويرونها تحد من حريتهم ،وهنا يأتي الاستبدال وتغيير النظر ، وتظل الحرية مطلبا ومرفضا في وقت واحد ، ومن الشخص نفسه ما بين حال وحال .
ولن تتم معادلة الحرية بمفهومها الدلالي العادل إلا إذا ارتبطت عضويا مع المسؤولية ، بحيث أن حريتي تظل تامة ومضمونة وحرية غيري تامة ومضمونة في الوقت ذاته ، وهذا لن يتم إلا عبر تعريف مونتسكيو بأن الحرية ( أن تفعل كل ما لا يضير غيرك ) وأي درجة من الإضرار معنويا كان أو ماديا فهو أمر مناف للحرية ، ولن يصح أن تتضمن الحرية الضرر بمعنى الإضرار، وأي ضرر ينتج عن الحرية فهو ناقض معنوي ومادي للمصطلح . ولو حدث أن سلوكي أو تعبيري مس بالضرر أحدا غيري فهنا ندخل في مسألة حقوقية لأن حقوق أحدنا حاصرت حقوق شخص آخر ، ولا بد من ميزان قانوني / قضائي يحسم الإشكال بين الطرفين ، ولا مجال للقول هنا بأي تفسير للحرية غير أنها حالة إضرار واعتداء . وليست حالة حرية . وهذا هو ضابط المسؤولية بما إن الحرية ترتبط عضويا بالمسؤولية وكل فعل أو تلفظ يصدر عنك فأنت مسؤول عنه بمقدار ما أنت حر فيه ، وكلما كنت حرا فأنت مسؤول ، ولو انتفت المسؤولية فستنتفي معها الحرية فليس على المكره مسؤولية بما إنه ليس حرا ، وستكون المسؤولية هنا على من أكرهه على قول أو عمل . ومع قيام هذه النظرية حول الحرية إلا إن البشر كلهم ، مؤسسات وحكومات وأفرادا يظلون يمارسون النوع المنافق من الحرية ، بحيث يحتفظون بها لذواتهم ولا يقبلونها حين تحاسبهم . وتستمر جناية الثقافة البشرية على أهم وأخطر مصطلحاتها . ولعلي أشير إلى محاولتي في طرح ( التفاوضية الثقافية ) حيت تتكون من أربعة أركان هي : الحرية والمساواة والعدالة والتعددية الثقافية ، وأي فصل لأي واحد من هذه الأربعة فهو خلل نظري وسلوكي (كتابي الليبرالية الجديدة فصل 5 ) ، وعبر هذا التصور تتحق الحرية مرتبطة عضويا بالمسؤولية.