إذا ذُكر اسم «عبد الله بن سليم الرشيد»؛ فإنّ صفةً مشتقة من جذر (صرم) ستطفر لصق هذا الاسم، نخال معها أنها لقب آخر لقبيلةٍ ينتسب إليها!
وإذا قرأت كتابًا لعبد الله الرشيد؛ فإنك سترجع إلى أديمه بحثًا عن اسم المحقِّق؛ للغة التراثية المكتوب بها!
وإذا تحدّثت مع عبد الله الرشيد؛ فالحذر .. الحذر من أن تقع في لحنٍ تخدش به سمعه، وتؤذي معه روحه!
أما إن دنوت من عبد الله الرشيد؛ فإنّ نورًا شفيفًا سيخترق السدف التي حالت بينك وبين أن تعرف الوجه الآخر له!
إنه كما تقول العرب: «بعيد الغور، قريب المغترف» !
لم أحظَ بشرف تدريس الدكتور الرشيد، فحُرمت من نعمةٍ نالها تلامذته: نعمة الشكوى من صرامته، المتبدّلة لاحقًا إلى شكرٍ يلازم الباحث طيلة مسيرته العلمية.
ولأنّ الكريم يضرم ناره في أيّ أرض ينزل بها؛ فقد تداركت ما فاتني في قاعة درسه لأجده بين طيات كتبه.
دقة البحث العلمي، وسمو اللغة – لا مجرد سلامتها-، والنادر من كتب التراث... وغير ذلك الكثير تعلّمته من كتبه التي أنخت راحلتي عندها. وحتى لا يكون كلامي محض قوالب جاهزة في الثناء؛ فإنني سأشير إلى ما تعلمته من كتابه الصغير/ المنجم: «تنورتها من أذرعات»؛ فمن هذا الكتاب تبيّنت كيف يُعمل الباحث الشك الديكارتي في تحقيق المرويات الأدبية شكًا لا يغلو غلو طه حسين، ولا يسلِّم تسليم من يأنس بالإطراف والإحماض. ومن هذا الكتاب تنبّهت إلى مقدار غفلتي إبّان دراستي لنصوص الجاحظ؛ إذ لمَ لمْ يستوقفني نص أبي زيد الكلابي الوارد في كتاب «الحيوان» كما استوقف الدكتور عبد الله؟!
ومن كتابه ذلك تعلمت أن إدمان قراءة كتب الأقدمين، والإعجاب بها لا يحول بيننا وبين تذوق الأدب الحديث.
تعلمت الكثير مما لا يكفي المقام - هنا- لاستعراضه. فأكرم بكتاب لا يقف عند تزويدك بالعلم فحسب؛ بل يهبك منهجًا في طريقة تحصيله!
وكتب الرشيد جلُّها، وبحوثه كلُّها .. تخبرك أن طريق العلم وعر، والمرتقى إلى طوده صعب، وأنك «لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا».
وإذا ما تجاوزت الأكاديمي عبد الله إلى الشاعر عبد الله؛ فإن الجلاء سيبلغ منتهاه؛ والتجلي سيبهرك ضياه؛ فالقصائد المتخفِّرة في دواوين نُسجتْ عناوينُها من معجم السماء تخبرك عن همته العالية، وبعض الأبيات المتهادية على خجل تنبئك عن هباته العِذاب لأحبابه
إنّ بيـني وبين روحـي عهـدًا
قد رقمنـاه بالوفـاء كتابًـا
أن ألمّ الأزهار في دهشة الصبـ ح وأهدي عبيرها الأحبابا
وقد وفّى، فكثيرًا ما وهب وأعطى؛ يشهد على ذلك الشذى الذي نفحه ( أيَّ ) سائلٍ يسأله!.
** **
د.هيفاء بنت محمد الفريح - الأستاذ المساعد في قسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية