من سجايا النفوس العليَّة أنها تتوق إلى السَّامق الطريف، ولا ترضى بالوضيع الـمَهِين في شأنها كلِّه؛ لذا تجدها تسمو في هيئتها وسمتها وفكرها، وتسعى ما وسعها الجهد إلى رقيِّها وتطورها. والصديق النبيل الأستاذ الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد أحد أولئك التَّوَّاقين إلى التَّبريز في تخصصهم العلمي وإبداعهم الأدبي، إذ له فرادة يدركها بجلاء كلُّ من يخالطه أو يتابع نتاجه العلمي والثقافي والإبداعي.
أمَّا في نتاجه العلمي والثقافي، فتتجلى فرادته في اختيار المجالات الموضوعية لبحوثه ودراساته، فهو يرتاد في الغالب الأعم الموضوعات التي لم يلتفت إليها الباحثون، إمَّا لصعوبة مسلكها، وإمَّا لغفلتهم عنها. ومن ثَمَّ كان للدكتور الرشيد فضل السبق إليها، وتذليل صعبها، حين اكتنف مجاهيلها، وأخضعها للدرس العلمي الرصين. وهذه السمة تبدو ظاهرة في عدد من كتبه وبحوثه ودراساته، كدراساته الطَّريفة عن: (الشعر المنسوبُ إلى الجِنّ وعلاقته بمفهوم الشعر عند العرب)، و(شَعْرنة الحياة: دراسة في بعض أسجاع العرب الاجتماعية)، و(الطب والأدب: التمازج التاريخي والفني)، و(رثاء الشاعر للشاعر في العصر الحديث)، و(البحث عن الذات: نظرات في شعر بعض المغمورين في العصر العباسي). ومن كتبه التي تتسم بطرافة المضمون كذلك: (مقطّعات الأعراب النثرية إلى نهاية القرن الرابع في المصادر الأدبية جمعاً وتوثيقاً)، و(مجتمع البادية القديم من خلال مقطعات الأعراب)، و(أدب الصحراء: دراسة في مقطعات الأعراب النثرية)، و(الأفاكيه والنوادر مدخل لتدريس فنون اللغة العربية)، و(مدخل إلى دراسة العنوان في الشعر السعودي) وهذا الأخير يُعد من أوائل الكتب التي تحدثت عن عتبة العنوان في الشعر السعودي.
وأمَّا في نتاجه الإبداعي، فتبدو الفرادة في تسميات دواوينه الشعرية، التي يتلفع كل ديوان منها بشعرية في عنوانه، تستدرج المتلقي إلى محاولة فك شيفرة العنوان، عبر القراءة والولوج إلى عالم الرشيد الشعري؛ لتوقعه من ثَمَّ في شَرَك لغة شعريّة مكثفة، لا يمكن للقارئ معها إلا أن يستحضر كافة حواسه؛ ليدرك أبعاد جمال عوالم الرشيد الشعرية، على نحو ما تشي به دواوينه: (خاتمة البروق)، و(حروف من لغة الشمس)، و(أوراق العشب النبيل)، و(نيسان يستيقظ)، و(قنديل حذامِ).
وهكذا يظل البحث عن الامتياز في الطرح العلمي والإبداعي هاجساً للدكتور الرشيد، يعرفه عنه كل من خالطه أو تابع نتاجه؛ لأنه في جوهر الأمر باحث علمي جاد، ومن أسس البحث العلمي الجاد الجدة في الطرح، والتفكير خارج المألوف؛ لذا لا غرو أن يكون الرشيد حاذقاً في صيد الفرائد العلمية.
** **
د.سالم بن وصيل السميري - وكيل قسم الأدب / جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية