علي الخزيم
شكك قليلون بما تم طرحه عبر هذه المساحة ذات يوم، وأيده كثيرون؛ حينما قلت إن جهات إقليمية آثمة مُغرضة تحيك لأمة الإسلام والعرب المكائد وتعمل على تشويه العقيدة والتاريخ والثقافة، وتقاتل في سبيل التقليل والتنقيص من أمجاد العرب والمسلمين، وكنت أُعلق على مسلسلة تعرضها فضائية خليجية تُصوِّر فرسان العرب وشعرائهم وأعلام قبائلهم ورؤوسهم بأنهم سادرون خادرون ليلاً، وقتلة وعصابات تنهب وتسرق وتسبي الضعفاء حولها نهاراً، وكانت المسلسلة بإخراج وإشراف شبه كامل من أعداء الأمة الفرس المجوس، وبعض الممثلين كذلك، حتى الأسود وبقية الحيوانات المشاركة كانت -بحسب المقدمة- بتدريب فريق فارسي.
وهذه الأيام تتواصل أحقادهم بنماذج مغايرة لكنها تخاطب عقول الصغار والسذَّج من الفتيان، حيث يبثون وينشرون صوراً وتعليقات تشوِّه صورة الموروث الثقافي للعرب والمسلمين، وكمثال صورة مُشوَّهة للعاشق العُذرِي قيس بن الملوح؛ المُتيَّم بابنة عمه الشاعرة ليلى العامرية (وهما من هوازن) من أهالي الأفلاج بمنطقة الرياض، صوروا العاشقين بأبشع صورة توحي بأنهم متخلفَين عقلياً يعيشان بمحيط قذر، وبتعليق يُنكر أن تكون مثل هذه الشخوص تدرك معنى الحب والعاطفة وأن ترقى لصياغة أعذب الأشعار! هكذا يعملون بدأب وحرص، وبحقد أعمى كل أحاسيسهم وبصائرهم وصرفهم عن الحق وتنمية بلادهم، بأحلام تلهث خلف أساطير تجاوزها الزمن.
قال قيس:
(إذا نَظَرت نحوي تَكَلَّم طرْفُها
وجاوبها طرْفِي ونحن سكوت
فواحدة منها تُبشِّر باللقاء
وأخرى لها نفسي تكاد تموت)
وقالت ليلى:
(نَفسي فِداؤك لَو نَفسي ملكت إِذاً
ما كانَ غيرك يجزيها ويرضيها)
ووهب الله العرب أرقى مشاعر الوفاء والحب، والتأمل بما أوجده سبحانه من الجمال بكل معطيات وعناصر الحياة والوجود حِسِّيَّه ومعنويه، وحظي جمال النساء العربيات بنصيب وافر من التغني والشغف والوصف العذري، وتعلق العربي بالعربية وجْداً وغراماً عفيفاً أصيلاً راقياً، ومن أوصافهم للغيد الحسان، قول عنترة بعبلة:
(سَرقَ البدْرُ حسْنَها واسْتعارَت
سحرَ أجفانها ظباءُ الصَّريم)
وقوله:
(وقال لها البدر المنير ألا اسفري
فإنك مثلي في الكمال وفي السعد)
وأبدع عمر بن أبي ربيعة وهو يقول:
(وأرى جمالك فوق كل جميلة
وجمال وجهك يخطف الأبصارا)
واقرأ عذب المعاني بقول الشاعر عبد المعطي الدالاتي:
(أتدريـن أنـّك أمُّ الجمـالِ
وبنتُ الدلالِ وأختُ السّنا؟!
لأجلكِ غنّى وطـارَ النشيدُ
يرفرفُ حولكِ حتـى دَنـا
تهـاجر كلُّ الحروفِ إليكِ
وتهـوي إليك كـرامُ المُـنى)
ويرى أبو الطيب صورة بديعة حينما وصف شَعْر الغيداء:
(نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها
في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها
فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا)
ولك أن تعيش هذه الحالة التصويرية الأخاذة من الشاعر أبي الوليد النحلي:
(راقت محاسنها ورقَّ أديمها
فتكاد تبصر باطنا من ظاهر
يندى بماء الورد مسبل شعرها
كالطل يسقط من جناحي طائر)
ثم يريدون قتل هذا الإبداع، تباً لهم سائر دهرهم.