سلمان بن محمد العُمري
أمتنا العربية والإسلامية - للأسف - في واقعها الحالي ليست أمة بحث علمي، وهذا ما يؤلم ويحز في النفس، وكل الدراسات والإحصاءات تشير إلى أن ما تخصّصه البلدان العربية على سبيل المثال للبحث العلمي لا تتجاوز نسبة زهيدة للغاية مقارنة بما تخصصه الدول المتطورة.
لن أذكر أن الدول الأخرى تعتبر البحث العلمي فيها حالة عامة تسود الأمة، بحيث أن الأفراد يفكرون به، والمؤسسات العامة والخاصة تفكر به، وتقوم به، والبلد كله في حركة بحث علمي، ولكن أركز على نقطة ربما تكون المفتاح في هذا المجال في بلادنا، فلدينا العديد من المؤسسات العامة والخاصة، والدوائر الرسمية، والهيئات العلمية، وغيرها، والتي تصنف بالعملاقة حتى على مستوى العالم، ناهيك عن المستثمرين الذين لديهم - ولله الحمد - ما يستثمرونه، ولو خصصت كل جهة مما ذكر مبلغ 1% من موازناتها للبحث العلمي لوجدنا مبالغ طائلة قد دخلت في إطار البحث العلمي، وستكون النهضة عامة وشاملة للبلد، ولتلك المؤسسات والأفراد، وبهذا تصبح الكرة في ملعب الباحثين، أما الآن فإن الكرة في ملعب الهيئات ذات القرار والثروة، والباحثون يعيشون الهم وحسرتهم ليس إلا.
إن واقع الحال في بلادنا غني جداً بمصادر البحث، وبمجرد أن يفتح هذا الباب عملياً سوف تجد العديد من الدراسات الجادة والواقعية والعملية، بل هناك بالفعل العديد من هذه الدراسات ممثلة برسائل الماجستير والدكتوراه، والتي يمكن توجيهها نحو دراسة الواقع بشكل مخطط ومدروس، إضافة إلى إمكانية حصر المشكلات المتعدّدة، التي بالإمكان دراستها وتحليلها والوصول لفوائد جمّة من وراء ذلك.
للأسف حتى الآن ليس لدينا اهتمام ومعرفة بالآخر، وهذا صار من ضرورات العصر التي لا ينبغي التخلي عنها، لأن في ذلك فائدة اقتصادية وسياسية واستثمارية وثقافية واجتماعية، ونهضة شاملة في كل المجالات، وتجنباً للكثير من الاخطار بإذن الله.
في الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص تجد مراكز البحوث والدراسات في كل مكان، ليس في الجامعات فحسب، بل في كل المؤسسات أو أغلبها، ولا أستطيع الزعم أن الشيء نفسه يحصل لدينا، وبسؤال بسيط لأي جهة أو دائرة حكومية هل تحل مشكلاتها من خلال البحث العلمي والدراسة والتمحيص، أم بالاجتماعات والقرارات الارتجالية غالباً؟!
نقطة أخرى أيضاً ألا وهي بخل بعض الجهات بالمعلومات الدقيقة أو الصحيحة، إما لعدم توفرها أو لعدم الرغبة في البوح بها حتى لجهات البحث العلمي، وطغيان التفكير الصحفي والفضائي على العديد من الدوائر.
هناك أشخاص في بلادنا ضحوا بالكثير من ثروتهم - لو جاز التعبير - الشخصية من أجل شيء اسمه البحث العلمي، وكان الأولى أن ينالوا ولو قسطاً من الدعم من جهات معينة، ولكن ذلك لم يحصل، وكلمة يجب توجيهها إلى ينابيع القرار، ألا وهي أن الباحث بطبعه معطاء، وبالتالي هو صاحب القرار في بحثه، ويقدم الغالي والرخيص من أجله، وعلينا ألا نجعله ييأس ويتخلى عن البحث ليصبح لاهثاً وراء الحياة اليومية، لأن في البحث يكمن مستقبل الأمة ككل، وبحرماننا من الباحث وبحوثه فإننا الخاسر الأكبر قبل أن يكون الخاسر هو الباحث.