محمد آل الشيخ
قطر مشيخة متناهية الصغر حسب أحجام الدول، من حيث المساحة وكذلك أعداد مواطنيها، تعيش على ضفاف الخليج العربي. لا تملك من عوامل القوة إلا بئر غاز، ثم لاشيء يذكر. جميع سكانها مهاجرون قدموا إليها من خارجها، وليس هناك شعب غير مجموعة صغيرة كانت تعيش فيها على صيد السمك، وأغلبهم جاؤوا إليها من البحرين، حين كان هذا الجزء من الأرض تابعا لها كما يقول التاريخ.
استقلت عن البحرين عندما انتزعتها بريطانيا وصنعت منها (دويلة)، ومنحتها استقلالها. في بدايات الاستقلال كان حكامها من آل ثاني القادمين إليها من قلب الجزيرة العربية يحاولون في كل تصرفاتهم السياسية التهدئة لأن التاريخ لا يسعفهم، لذلك عملوا على التماهي مع كونها دويلة صغيرة، بلا تاريخ ولا تراث سياسي، ودونما قدرات، تؤهلها فعليا من التعامل بإمكانيات الدولة على مواكبة الواقع وليس القفز عليه. غير أن هذه الدويلة (المصطنعة) والطارئة على التقسيمات السياسية التاريخية في المنطقة، تجاوزت حقيقة تاريخها القديم، وكذلك تاريخها الحديث، الذي لم يعرف أن هذا التكوين الجغرافي من الأرض، والمهاجرين إليها، كان يمثل دولة، بمعنى أنها كذبت وصدقت الكذبة، ليس هذا فحسب، وإنما أصبحت دولة (مشاغبة) تحاول أن تعوض شعورها بالنقص، وبكونها دولة بلا تاريخ، ولا تراث سياسي، خلقتها بريطانيا، بلا تاريخ ولا ثقل سياسي، مستغلة وجود بئر الغاز، لشراء تحالفات جديدة؛ وقد ساير عقدتها كثير من الدول، مستغلة هذا الشعور المتمكن من نفسيات حكامها الجدد، بحلب ثرواتها قدر الإمكان، من خلال صفقات معها، كل ذلك لتثبت أنها دولة فاعلة، بينما هي مثل (اللقيط) الذي يبحث عن جذور نسب، حتى وإن اشترى نسبه بالمال، هذا الشعور الضارب في أعماق حمد بن خليفة، هو الدافع والمبرر وراء محاولات (انتساب) حمد بن خليفة إلى نسب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كما زعم كذبا للقذافي، وهو ما نفته أسرة آل الشيخ في بيانها الشهير، الذي لم يحرجه فحسب، وإنما أحرج أسرة آل ثاني جميعهم، كأسرة عريقة معروفة النسب، وليسوا في حاجة إلى (البحث) عن نسب.
وعلى ما يبدو أن المقاطعة التي اتخذتها دول خليجية وعربية لهذه الدويلة التي يعاني حكامها مجموعة من (العقد) قد ضربتها في مقتل، واكتشفت أنها ستُستنزفها سياسيا والأهم اقتصاديا، وبعد مرور ثمانية أشهر، (صحا) القطريون من سكرتهم، واكتشفوا أن (الرهان) على تفكك تحالف دول المقاطعة، كان حلما رغبويا، لم يعرفه الواقع، وبدلا من إعادة النظر في سياساتهم (الثورجية) من خلال مشاغبات قطر ومؤامراتها، والانضواء تحت مصالح دول وشعوب مجلس التعاون، كابرت وعاندت، وصعَّدت أكثر، ولامست خطوطا حمراء، لم تلامسها دولة خليحية من قبل، اللهم إلا (المعتوه) القذافي، الذي يظهر أن المعتوه الآخر حمد بن خليفة من أشد المعجبين به؛ وهي - بالمناسبة - قضية تمس أمننا، وسيادة بلادنا، وهي (تدويل الحرمين)، وهذه قضية لن يجد حمد، حتى من عملائه المتأسلمين السعوديين، من أصحاب اللحى المزورة التنكرية، من يجرؤوا على الموافقة عليها إطلاقا، لأن السعودي الذي يردد مثل هذه الدعوات يمارس بلاشك انتحارا سياسيا أكيدا.
ويبدوا أن منظّرهم، وحاكم قطر الحقيقي، المدعو (عزمي بشارة)، قد أدخلهم في نفق أشد ظلمة من نفق مشاغباتهم السابقة، فبهذه الدعوة الخرقاء، أعلن الحمدين أنهما (أعداء) ليس للأسرة المالكة السعودية الكريمة فحسب، وإنما لكل السعوديين قاطبة، وجرح كهذا لن يندمل بسهولة، وسيبقى وصمة عار في تاريخ الحمدين لسنوات وسنوات، حتى لو افترضنا (جدلا) إصلاح ذات البين بيننا وبينهم، وليعلم القطريون ومن شايعهم، أن السعوديين سيقاتلون عن وحدة بلادهم وكل جزء منها حتى وان اضطروا للقتال بالأظافر.
دعوات قطر لتدويل الحرمين نسفت أي إمكانية، ولوكانت ضئيلة، بيننا وبينهم، طالما أن تنظيم الحمدين يحكم دولة قطر.
إلى اللقاء