عماد المديفر
التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ليس تنظيماً تقليدياً ساذجاً يقوده ثلة من الدراويش كما قد يظن البعض.. بل هو تنظيم شبكي، مزدوج، ومتطور، يقوده رؤوس وقيادات على مستوى عال من التأهيل والاحترافية، له إدارة مركزية ذكية تضع الخطوط العامة، والقواعد الرئيسة، والأهداف النهائية، وله جهاز استخبارات قوي ومتين ومتغلغل في أجهزة استخباراتية وأمنية لدول عديدة.. حتى أن قادة التنظيم ورموزه يتباهون أنهم أصبحوا عند أذن قادة وحكام في دول مختلفة، وقد تحدث عن ذلك صراحةً القيادي الاخواني الأبرز «يوسف ندا»، يقول: «إن الإخوان المسلمين موجودون في جميع أنحاء العالم، ليست المسألة عضوية في الجماعة، بل هو منهج فكري».. كاشفاً أن لدى التنظيم عملاء و»وسطاء محل ثقة في دولهم، وفي الأماكن التي يتحركون فيها، وينبغي ألا يُعْرَفوا بأنهم إخوان مسلمون وإلا سيُرفضون.. ويسجنون»..! ويصف «ندا» عينة من هؤلاء العملاء المتخفين في هذه الشبكة فيقول: «أشخاص في الظل، بمثابة البُقع السوداء في ارتفاعات لا يكشفها الرادار، ولكن عند الحاجة إليهم يتم إيقاظهم، وهذا ما نتبعه في كل الأماكن التي تحظر نشاط الإخوان.. نعلم أن هؤلاء الرجال قَبِلوا بنا ولهم نفس أفكارنا ونأمل إذا طلبنا منهم شيئاً أن يفعلوه»..! ويضيف القيادي في التنظيم الدولي في غمرة زهو ونشوة أعقاب لعبة «الربيع العربي» وتولي التنظيم مقاليد الحكم في مصر قبل أن تتحرر من قبضتهم:» للإخوان المسلمين شبكة حول العالم».. ويمضي بالقول - وأنقل حرفياً-:» ولأن أجهزة الأمن تتحرى دائماً عن انتماءات جميع المقربين من زعمائهم فلم يكن الاتصال مفتوحاً من عندنا إلى الطبيب أو من عنده إلينا»…!وعليه يتضح أن لهذا التنظيم أفرع متعددة في دول متعددة حول العالم، بل وفي بعض الدول من الممكن أن نجد عدة أفرع، وقد جعل لكل فرع من هذه الأفرع في الأقطار المختلفة؛ إدارة محلية.. أوكل إليها حرية التصرف بما تراه مناسبا، ويتماشى مع ثقافة وعقيدة شعوب هذا البلد أو ذاك، ونظامه السياسي، والمزاج العام المحلي، والظروف الأمنية والمخابراتية، لتحقيق أهداف التنظيم.. كما أن للتنظيم-كما كشفت ذلك نتائج دراسة سابقة أجريتها- ثلاثة خطوط عمل متوازية، ومنفصلة عن بعضها البعض، لا تلتقي مطلقاً، لكي لا يتم إدانة التنظيم الأساس، وتدمير تواجده في الدولة الهدف، بالكلية؛ وهذه الخطوط: تعليمية دعوية، وسياسية قانونية وحقوقية، وعسكرية مسلح.
ولست أذيع سراً أن تصنيف المملكة للتنظيم كجماعة إرهابية؛ قد زلزل أركانه، ولخبط الكثير من مخططاته، وكذلك الحال حين تم الإعلان عن مقاطعة (قطر) تنظيم الحمدين، التي لها دور محوري في تحركات التنظيم وخططه.. لاسيما اذا ما علمنا أن التنظيم يعتمد اعتمادا بنيوياً على أفرعه في المنطقة من جوانب متعددة، منها اللوجستية والاقتصادية.. عدا عن أن المملكة بالذات هي على رأس سلم أولويات استهداف التنظيم، وبشكل مزدوج.. داخلياً وخارجيا، وهو ما كشفته بوضوح - على سبيل المثال لا الحصر- وثائق الإرهابي الإخواني الهالك أسامة بن لادن في أبوت أباد، الذي أجل تنفيذ عملية 11 سبتمبر لما يقارب سنة كاملة بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، بهدف جمع أكبر عدد من المنفذين السعوديين. ولهذا تفصيل ليس هنا موضعه.. وحيث إن الشيء بالشيء يذكر؛ فإني أكرر ما سبق وذكرته مراراً من أن نظام ولاية الفقيه ليس سوى فرع من أفرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولا يصح فصله عنه بتاتاً، كما يفعل بعض المحللين، إذ إن الاعتقاد السائد هو أن التنظيم وجد في ثورة الخميني ضالته، وأنه حين نجحت الثورة هناك، توجه إلى طهران، وبدأت علاقاته بنظام الملالي.. وهذا غير صحيح بتاتاً.. فثورة الملالي في أساسها، ثورة إخوانية بامتياز، لكنها بنسخة تتناسب وثقافة وعقيدة الشعب الإيراني، وهنا نعود إلى ما أشرت إليه في بداية المقالة، بأن أفرع التنظيم المحلية تتشكل بما يناسب بيئتها المحلية، فهي شيعية اثنا عشرية في إيران، وهي زيدية في شمال الشمال اليمني (الحوثيين)، وشافعية في جنوب الشمال اليمني وأجزاء من جنوبه، وصوفية في الجنوب اليمني، وسلفية في نجد، ومزيج من السلفية والصوفية في الحجاز، واثناعشرية في القطيف، وديوباندية ماتريدية في أفغانستان (طالبان) و(باكستان والهند).. بل وقد تأخذ الشكل الليبرالي المنادي بالديمقراطية، وهكذا دواليك.
ومن هنا نفهم دعوة أحد مفكريهم (عبدالله النفيسي)، حين دعا الإخوان صراحة الى التبرؤ من (اسم الاخوان المسلمين) بعد ان تلطخت سمعته، وتم ضربها في العمق بنجاح- وكان للإعلام السعودي والإماراتي والمغردين السعوديين والإماراتيين بالخصوص دور رئيس في ذلك- والانسلاخ عنه، وخاصة في الخليج العربي، والذوبان داخل المجتمع والدولة، والتلون بلون المكونات المجتمعية، حتى وان تطلب الأمر رفع شعار الوطنية، المتعارض مع مبادئ التنظيم الأساسية. وهذا القول نادى به (جمال خاشقجي) أحد عناصر التنظيم الفاعلة التي تنصلت عنه، وأضحت تدعي الاستقالة منه.
بيد أن (حل التنظيم) شكلياً، ليس بهذه السهولة، وله أخطار كبيرة على سير عمل المنظومة برمتها، الأمر الذي جعل قيادات التنظيم تخشى تفككه، لذا جرى العمل على تكنيك آخر، وهو إعادة تسويق التنظيم بأشكال مختلفة، وخلق ما نسميه بـ «قصة» جديدة للتنظيم، وتطبيق تكنيك «السيطرة على الضرر» أو «Damage Control « من خلال الاعتراف ببعض الأخطاء، والقول بأنهم يعملون على إصلاحها، ومن ذاك ما يسمى بـ «المراجعات» أو «مراجعات تنظيم الإخوان المسلمين» وهي ليست سوى حيلة دعائية لإعادة التشكل ليس إلا.. ومن ذلك أيضاً تزوير الحقائق، خاصة تلك التي قد تصيب خطط التنظيم بالانكشاف التام، ومن ذلك اعلان المملكة صراحة محاربتها للتنظيم بصفته تنظيماً إرهابياً فكراً وهويةً وعملاً على الأرض.. إنها الكارثة الحقيقية للتنظيم، والمهدد الأكبر، لذا سعى لمحاولة احتوائها بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كان من ذلك الاعتراف ببعض كوارث التنظيم، للتنصل من حقيقة عداء التنظيم الأصيل لهذه الدولة المباركة، وسعيه لهدمها من الداخل، واستهدافها من الخارج؛ إذ هي الثمرة الحقيقية والهدف النهائي له، وهو ما صرح به أو ألمح إليه، عدد من قيادات التنظيم ورموزه ومفكريه غير مرة، أو تضمنته أدبياتهم بشكل أو بآخر.
ومن هنا، خرجت بعض القصص والروايات والمقالات والتغريدات التي تحاول أن تروج أن المملكة لم تصنف التنظيم كتنظيم إرهابي بسبب أفكاره و»هويته»، بل وتعدى الأمر إلى تسفيه من يقول هذا القول، وإنه «من المغسولة أدمغتهم»! وإحالة سبب تصنيفهم منظمة إرهابية الى أن التنظيم أخطأ في بعض مواقفه تجاه المملكة! كما هو موقفه من إيران أو من الحوثيين وغيرهم! وهذا تسطيح مقصود لصلب العداء.. إنه موضوع شائك وكبير، ولا يكفيه مقالة واحدة، فألتقيكم الأسبوع المقبل بمشيئة الله، إلى اللقاء.