أ.د.عثمان بن صالح العامر
لا تقل حال المعاق العربي سوءاً عن حال اليتيم الذي تحدثت عنه الثلاثاء الماضي بمناسبة يومه السنوي، بل ربما تكون أسوأ؛ خاصة في ظل الجهل من قِبل شريحة عريضة في مجتمعنا العربي بكثير من حقوقه التي نصَّ عليها الشرع الرباني الخالد، وأقرّتها القوانين الدولية والاتفاقيات العالمية، ومنحتها إياه عدد من البلاد الغربية مع أننا أحق بذلك منهم، فالتقارير والأرقام والوقائع تبرهن وتدلّل - للأسف الشديد - على تقصيرنا في حق هذه الفئة التي جعلها الله بيننا امتحاناً لنا وابتلاء، ومن ثم كان لزاماً التأكيد على وجوب إعادة النظر في منح الأنظمة والشعوب العربية المعاق حقه الطبيعي الذي هو واجب ديني وإنساني واجتماعي وليس فضلاً ولا منّة منا.
أذكر أنه في اليوم الذي كان العالم يحتفل بيوم المعاقين السنوي كانت الباحثة (دلال بنت إبراهيم آل مهنا) تحتفل هي وعائلتها بحصولها على درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة، قسم الثقافة الإسلامية بعد أن منحتها لجنة المناقشة تقدير ممتاز على رسالتها الموسومة بـ(حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام والاتفاقيات الدولية، دراسة ثقافية مقارنة)، والتي شرفت أن أكون المناقش الخارجي لها.
لقد ظلت الباحثة طوال ست سنوات متواصلة تجمع مادة رسالتها، وترتب مفرداتها، وتنظم فصولها ومباحثها، وتجيد سبك عباراتها وكلماتها حتى استطاعت أن تخرج بحثها في قالب علمي بديع رائع يجمع بين التأصيل والمعاصرة، ويقارن وينقد برؤية متزنة وعقلية نافذة ورؤية صائبة ناضجة.
لقد ذكرت الباحثة في مقدمة ما كتبت أن هناك أسبابًا عدة دعتها لطرق هذا الموضوع لعل من أبرزها:
* اضطراب مفهوم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة لدى المدارس الفكرية المختلفة وتأثير هذا الأمر في الكتابات العربية التي انبرت وتصدت للتأليف في هذا الموضوع.
* غياب الوعي بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة لدى شريحة عريضة في المجتمعات العربية، خاصة الأسر التي ليس لديها معاق، ولذلك فهناك أناس لا يكترثون بهم ولا يهتمون بشأنهم ولا يعرفون جيداً حقوقهم التي أصّلها الدين وعزّزتها التطبيقات المتميزة وجددت في طرحها الأنظمة العالمية والمواثيق الدولية ذات الصِّلة المباشرة بهذا الأمر.
* عدم استشعار الإسلام مصدراً لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الفكر العالمي المعاصر؛ إذ يتكرر في المنتديات الدولية وقنوات الإعلام المختلفة وصف حقوق المعاقين بأنها نتاج العقول البشرية في مراحل تاريخية متطورة وليس للوحي الرباني دور يذكر للأسف الشديد.
* تميز المرجعية الحقيقية والأنظمة والتطبيقات والبرامج السعودية الموجهة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي لم تحظَ بالاهتمام الإعلامي، ولا يجمعها مظلة واحدة تنسق الجهود وتضبط الخطط وتحدد المسارات والخطوط العامة للإستراتيجيات الصادرة من عدد من الوزارات، الأمر الذي دعا الباحثة إلى أن تدعو في دراستها إلى تأسيس مجلس أعلى للمعاقين يجمع تحت مظلته ممثلي جميع الوزارات ذات الصِّلة بتقديم الخدمات المختلفة لهذه الفئة.
لقد بددت الباحثة في ثنايا رسالتها المتميزة كثيراً من الظنون والأوهام التي يتصورها البعض منا إزاء الحقوق الخاصة بهذه الفئة، مؤكدة في ذات الوقت أن الإسلام قبل غيره هو من نص على حقوقهم المعنوية فضلاً عن المادية التي اتفق عليها الجميع، فحق المعاق لا يمكن اختزاله في موقف مخصص له، أو كرسي يلبي احتياجاته الضرورية، أو تجهيز طريق ييسِّر له الانتقال من مكان لآخر، أو دورة مياه في المرافق العامة و... ، بل هو شريك فعلي في التعلّم والوظيفة، وله حق في تكوين الأسرة وامتلاك المسكن ومزاولة الضرب في الأرض مثله مثل غيره حسب قدراته وبناءً على كفاءته العملية والعلمية.
الجميل أن الباحثة عرّجت على ما هو موجود من جهود في المملكة العربية السعودية، وختمت بتوصيات قيّمة حقها الاهتمام والتفعيل من قِبل المؤسسات العربية والإسلامية.
إن مثل هذه المشاريع العلمية حقها أن ترى النور ولا تظل حبيسة الأدراج، ومن ثم لا يعرفها ويطلع عليها إلا أهل الاختصاص، بل من المفيد أن تستفيد منها المؤسسة الإسلامية الرسمية، وجامعة الدول العربية، وهيئة حقوق الإنسان السعودية وكذا الجمعية، وجمعية المعاقين، والأقسام المختصة في الجامعات الحكومية والأهلية، ففيها بغية لكل راغب بالاستزادة في هذا الباب الدقيق. دعائي للباحثة بالتوفيق، والدعاء من القلب للمعاق أياً كان مسكنه ومقر إقامته أن يرى مشروعاً عالمياً منجزاً يخفف عليه وطأة الألم وصعوبة العيش ومشقة الحياة. وأتطلع أن يؤسس صندوق عربي لرعاية المعاق وعلاجه وتدريسه ودعمه في مسار حياته، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.