د. محمد بن إبراهيم الملحم
مشكلة الأنشطة الطلابية أنها تنتمي إلى مجال الهوايات والاهتمامات، وهو مجال يقوم على مبدأ التعلم الاختياريFree Choice Learning الذي تشجعه التربية الوالدية في الأساس، وتدعمه ثقافة المجتمع كجزء من مفهوم التعلم مدى الحياة Lifelong Learning، وهو في المجتمعات المتقدمة أظهر ما يكون في المراكز المجتمعية الثقافية، كالنوادي الثقافية والأدبية والعلمية والمكتبات العامة أو مكتبات الأحياء والمتاحف والمعارض المحلية وما يماثلها من مؤسسات، لا نجدها لدينا - مع الأسف - إلا لمامًا.. وعندما تقوم الدولة بتأسيسها ورعايتها فإنها لا تجد الجمهور الكافي الذي يوازي خدماتها؛ ويعود ذلك إلى ضعف أو انعدام ثقافة التعلم الحُر التي أشرت إليها، وضعف حب العلم والقراءة. وفي المجتمعات التي تحضرت منذ وقت مبكر يكثر أصحاب الهوايات والمهارات الشخصية؛ ولذلك ليس صعبًا على المدرسة أن تجد بين طاقم التدريس فيها أكثر من شخص لتبني مجالات متنوعة من الأنشطة (رياضة - مسرح - موسيقى - تصوير - إلكترونيات... إلخ)؛ فيلتحق بها الطلاب في نوادي أو جماعات النشاط التي تكونها المدرسة بعد الحصص غالبًا. أما في بيئتنا التي لم تنتشر فيها هذه الثقافة فقد بقيت الهوايات تراوح في مجالات محدودة وغير مهمة، أو ربما تنعدم عند طائفة كبيرة من الناس.
وفي ظل هذه «الندرة» يحتاج مدير المدرسة الذي يطمح إلى أن يكوّن جماعات أو نوادي نشاط فعّالة حقًّا (خاصة في المرحلة الثانوية) إلى أن يجد قادة النشاط من خارج طاقم التدريس؛ وهو ما يعني أن يملك الصلاحيات والميزانيات ليتمكن من توظيف هؤلاء (مثلاً بمكافآت مقطوعة حسب فترات عملهم)، ولكن هذا غير موجود وبعيد المنال تقريبًا؛ لذا يبدو أن البديل هو التطوع.. والمتطوعون سيكونون غالبًا أولياء أمور للطلاب، خاصة المتقاعدين منهم لعدم ارتباطهم في الصباح، وقد يكونون أي شخص آخر له رغبة وشغف في نشر هوايته بين الطلاب، ويجد متعة في ذلك.. ولكن ذلك أيضًا أمر متعذر في ظل غياب إطار تنظيمي للتطوع في العمل المدرسي؛ فلا يوجد ما ينظِّم ذلك، سواء لمن يرغب في العمل معلمًا للتدريس، أو رائد نشاط.
أعتقد أن الحاجة ملحة جدًّا لهذا الأمر، خاصة مع انتشار تسرُّب كثير من المعلمين المتميزين من مهنة التعليم إلى مساحة التقاعد المبكر، لا كرهًا للمهنة ولكن للجو الإداري أو التنظيمي المزعج نفسيًّا لهم، والمهدد لطمأنينتهم الشخصية.. فهؤلاء لديهم إمكانية متميزة للعطاء لو وُجدت الفرصة لهم للعودة إلى المدرسة خارج ضغوط التهديد الإداري والروتين الضاغط؛ ما يساعد على توفير نوع مختلف من الخبرة للطلاب، وبروح مختلفة، ونمط متميز. وسواء رجع هؤلاء في إطار التطوع أو في إطار التعاقد مدفوع الثمن لمهام أقل ضغطًا لكنها مهمة نوعيًّا؛ فإن أثرهم سيكون بارزًا وذا قيمة ملموسة. ففي التدريس يمكن أن يكون للمعلم الخبير جدول حصص خاصة، يشرح فيها الموضوعات الصعبة فقط، وليس المنهج كاملاً، كما أنه لا يمارس بقية أعمال المعلم من إعطاء واجبات وتصحيح وما إلى ذلك، بل هو موجود لتبسيط الدروس الصعبة استثمارًا لخبرته العميقة في المادة، وتمكُّنه منها. وفي الأنشطة الطلابية هو موجود ليرعى مجال هواية أو أكثر مع الطلاب، يدربهم، وينظم لهم الفعاليات المختلفة التي تساعدهم على النمو والتعلم في هذا المجال، سواء نفَّذها في الصباح بحسب توافر الفرص الزمنية في جداول المدرسة، أو في المساء. ولا شك أن عطاءه سيكون غنيًّا أكثر بكثير من المعلم المرتبط بالتدريس، والمشغول بالكثير من المهام من تحضير وتصحيح واجبات وإعداد اختبارات... إلخ.
النشاط الطلابي أيتها الوزارة.. النشاط الطلابي..