مها محمد الشريف
من السمات التي تميز بها علماء المسلمين الإخلاص في العمل، والمعرفة الأخلاقية قبل المعرفة العلمية؛ وهكذا تكون الحقائق العلمية في الكون لا تتغير أو تتبدل، وأثبتت جميع الحقب خلو العلم من الأهداف السياسية المنحازة وانتصار العقل في مواقف القوة وامتلاك الحقيقة الكاملة، لأن علومهم مستمدة من القرآن وهو لا يتغير ولا يتبدل؛ مما دفعهم إلى مزيد من التطور والتقدُّم الهائل في علم الفلك، وبلوغِهم مكانا عادلا للمنافسة ومستوى رفيعًا، وهناك عدة اعتبارات تقودنا إلى التأكيد على إرث علمي عظيم تسير عليه جميع العلوم والاختراعات إلى عصرنا الحديث؛ فقد كانت علوم المسلمين تشكل قاعدة أساسية كاملة ومؤثرة في جزئها العلمي..
من جرَّائها تتلمذ على أيديهم أجلاء الرياضيين والفلكيين والفيزيائيين والأطباء في معظم التخصصات العلمية، وعلم الفلك حصل على نصيب وافر من الاهتمام، وأحد الأمور التي برعوا فيها تعريف الشمس تعريفاً نهائيًّا بالمقدار 23 و33 و52؛ أي: ما يعدِل - كما يذكر غوستاف لوبون - الرقم في الوقت الحاضر.
ومن بين الأمثلة العلمية على مدى التاريخ نذكر أبا الحسن المرَّاكشي (ت 660هـ/ 1262م)، « فقد عيَّن - كما يذكر غوستاف لوبون - بضبطٍ لم يسبِقْه إليه أحدٌ العَرضَ والطولَ لإحدى وأربعين مدينة إفريقية، واقعة بين مرَّاكش والقاهرة؛ أي: ما مسافته 900 فرسخ، وأنه قيَّد مشاهداتِه في كتاب بعنوان: «جامع المبادئ والغايات في علم الميقات» يتضمَّن - فيما يتضمن كذلك - معارفَ ثمينة لآلات الرَّصد العربية، قبل ناسا والمراصد الفلكية العالمية الشهيرة.
إذا كنا محقين في غاياتنا وفكرنا نجرم السبل الملتوية لتضليل الناس وخاصة المغلفة بالعلم والأشياء البغيضة التي تشوه التاريخ، التي شكلت إعادة الترتيب للحقائق العلمية، فمنذ تطورت العلوم في الغرب والعالم يتجرع الفساد من شركات الأدوية التجارية وصناعة الأسلحة المدمرة، واليوم تنشر وكالات الأنباء العالمية والعربية مؤيدو نظرية «الأرض المسطحة» تكذيبا وتعقيبا على اكتشافات «ناسا». علما أن علماء ومفكري العالم الغربي تعقبوا التاريخ الطويل الأمد للأدلة على كروية الأرض ولكنهم اليوم يكذبون ذلك: وذكر الله جلت قدرته وعظيم سلطانه في محكم التنزيل، قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} (سورة الزمر/ 5). ولا ينكر ذلك إلا ثلة من أهل الجدل وغالب العلماء روى معظمهم بالأسانيد عن الصحابة والتابعين من الكتاب والسنة، واستدل ابن حزم وغيره من العلماء بالبراهين من القرآن والسنة وقد جاءت بتكويرها.
ومن الأخبار المتداولة هذه الأيام ما نشرته عن الندوة الدولية للأرض المسطحة، التي احتضنتها ولاية كارولينا الشمالية الأسبوع الماضي، عددا هائلا من المؤيدين لهذه النظرية. ونقلت صحيفة «المترو» البريطانية عن أحد المتكلمين خلال الندوة، روب سكيبا، قوله إن «ناسا تكذب علينا منذ عقود من خلال تأكيدها في كل مرة على أن الأرض بيضاوية وليست مسطحة».
لو كانت الأرض سطحية لزم أن يكون غروب الشمس عنها من جميع الجهات في آن واحد، وإذا تقرر ذلك فإنه لا يمكن لأحد إنكاره، ولا يشكل على هذا قوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، لأن الأرض كبيرة الحجم، وظهور كرويتها لا يكون في المسافات القريبة، فهي بحسب النظر مسطحة سطحاً لا تجد فيها شيئاً يوجب القلق على السكون عليها، ولا ينافي ذلك أن تكون كروية، لأن جسمها كبير جداً كما وضح للمسلمين العالم المصري أ.د. زغلول النجار.