هاني سالم مسهور
عودة جموع المتظاهرين إلى شوارع المدن الإيرانية ترفع شعارات ضد الفساد وارتفاع الأسعار وقمع الحريات فبعد أقل من شهر على قمع الحرس الثوري المظاهرات التي عمت مدن إيران في نهاية ديسمبر 2017م عادت موجة المظاهرات مُجدداً لتؤكد أن النظام في حال لم يستطع معالجة المظالم ولم يستجب لمطالب المتظاهرين، فستبقى احتمالات تجدد الاحتجاجات قائمة، وستتعمق وضعية الأزمة في إيران، وسيزداد تآكل شرعية النظام فالاحتجاجات الأخيرة وتلك التي سبقتها في الثلاثين عاما الماضية تعبّر عن أزمة بنيوية في النظام الإيراني، وكما جاء في الحلقة النقاشية التي نظمها مركز الامارات للسياسات (إيران المأزومة ) فإن النظام يواجه ثلاث أزمات مركبة ومتداخلة، تتمثل في أزمات الهوية، ونموذج بناء الأمة - الدولة، ونموذج بناء القوة، فإنه لا يمكن التوصل إلى فهم دقيق لإيران دون تفكيك هذه الأزمات البنيوية التي تحكم نظرة النظام إلى نفسه وإلى العالم.
مرت إيران بعد عام 1979 بثلاث مراحل: مرحلة انتصار الثورة وما رافقها من اغتيالات وإقصاء الخصوم السياسيين ورفاق الأمس، أما المرحلة الثانية فهي فترة الحرب مع العراق، و استطاع النظام خلال سنوات الحرب الثماني تنفيذ أكبر عملية تصفية سياسية في تاريخ إيران، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية، والتي نحت خلافا لما كان متفقاً عليه إبان لحظات التأسيس.
وفي المرحلة الثالثة، خرجت إيران من حربها مع العراق وهي على وشك الانهيار الاقتصادي والسياسي، ويمكن القول إن هذه المرحلة من أشد المراحل الأمنية والقمعية التي مرت بها البلاد، والتي استمرت تقريباً عقداً من الزمن لذلك كان على النظام أن يقوم بعملية إصلاحية لكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وبالفعل جاءت فكرة الإصلاحات من داخل أروقة وزارة الاستخبارات لتصحيح ثلاثة مسارات رئيسية في الثورة: تحديث الدين وتحديث الاقتصاد وإصلاحات سياسية.
«كاسندرا» ليس عنوان مسلسل مكسيكي وإنما هو مشروع أميركي لوكالة مكافحة المخدرات لتتبع المخدرات التي تتاجر بها الميليشيات الإيرانية، لكن تولي الرئيس السابق باراك أوباما إدارة البيت الأبيض في سنة 2009م أدّى إلى انعطافة جوهرية في السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي الإيراني تمثلت في التهدئة والحوار والمهادنة لمعالجة إرهاب الميليشيات بدمجها في النظام السياسي، وهذا حاصل ما تم الدفع به في لبنان والعراق، وما تجري الاستعدادات لإنجازه بما تبقى من حلقات لإكمال المهمة.
ملابسات غاية في الإدانة للميليشيات الإيرانية واتهامات صريحة لإدارة أوباما السابقة بتعطيل عمل الوكالة المختصة لمتابعة الأنشطة الإجرامية الموثقة بمراقبة الاتصالات والتسجيلات والرسائل والوثائق وعلى نطاق العالم، حيث البيع والتهريب وغسيل الأموال وبالأسماء، والهدف كان طمس التحقيقات لإبرام الاتفاق النووي مع إيران.
إعادة العمل بمشروع كاسندرا وتشكيل لجنة تحقيقية أميركية للكشف عن المعلومات وفضائح الأذرع الإيرانية في لبنان، ستجابه حتما بالتكذيب من أطـراف لها عـلاقة صريحة بالميليشيات، ولمعـرفة تلك الأطراف مسبقا بأن تلك التحقيقات لم ترتق إلى طابعها الرسمي الملزم في القضاء الأميركي، وكذلك لتخوف الساسة من انتكاسات مماثلة في الواقع اللبناني لما جرى في الأشهر الأخيرة.
شلت كل محاولات إيران في التمكّن من جعل الدول العربية تابعة لها بما في ذلك العراق، التي تبدو اليوم كأنها جزء منها، مع أن كثيراً من الشواهد والوقائع والأدلة تؤكد وقوفها إلى جانب كل دعاة الفوضى داخل أقطارنا، والمدخل دائما هو القضاء على الهيمنة الغربية من أجل حقوق الضعفاء، متخذة من المصطلحات القرآنية لغة خطاب أيديولوجي كما هو بالنسبة لمصطلح «الاستكبار»، وهذا متناقض مع ما يظهر من علاقاتها الدولية مع قوى فاعلة لا دينية كما هو الأمر في سوريا، وتعاونها العلني مع من تدعي أنها عدوها الأول، ورأس الاستكبار العالمي بالنسبة لها، الولايات المتحدة الأميركية، كما فعلت في السنوات الماضية وتفعل الآن في كل من أفغانستان والعراق.
الشرخ الذي حدث في إيران هو ذاته الذي حدث في تركيا من قبلها فتبعات الانقلاب عند الاتراك وقع مع النظام الإيراني ومحاولات كلا النظامين ممارسة الهروب إلى الأمام عبر الدخول في شؤون الخارج لن تعالج إطلاقاً مشكلات الداخل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.