د.علي القرني
إذا كان لنا أن ندرس إحدى المؤسسات السعودية التي تأسست من جديد، وبثت الروح فيها من جديد، فهي الهيئة العامة للرياضة، فبعد ان كانت بها جهود ومحاولات تسعى للإرتقاء بالرياضة أصبحت الآن في طور ما نسميه بـ»مأسسة الرياضة»، أي وضع أطر مؤسسية متينة، وبناء ممارسات ريادية مهمة للإرتقاء بالرياضة، وهذا مصدر فخر لنا كسعوديين، لا سيما أن هذا القطاع يقع في دائرة الترفيه، وهو قطاع كان من القطاعات المحمية تحت مظلة الخوف والاحتراص.
وحالياً تم إعادة بناء مفهوم الرياضة، أو بالأحرى إعادة فهمه من جديد ليصبح مثل باقي القطاعات الترفيهية في كثير من المجتمعات الإنسانية في العالم. وهنا لا بد أن نشيد بفكر وعقلية رئيس مجلس إدارة الهيئة للرياضة المستشار تركي آل الشيخ في إعادة صناعة الرياضة من جديد، وإعادة اكتشاف مفاهيم ومعان جديدة في الرياضة، ولجهوده في مأسسة هذا القطاع المهم من قطاعات الترفيه في بلادنا.
والرياضة هي ميدان واسع وقطاع استثماري كبير، وتداخل الإعلام معه محوري جدا لكلا الطرفين، فكلاهما يستفيد، وكلاهما يفيد الآخر. ونعلم أن الرياضات في كثير من دول العالم لم ترتق إلا بتحالف الإعلام مع تلك الرياضات، وما شهرة الدوري الإسباني أو الدوري الإنجليزي أو الدوري الإيطالي والفرنسي إلا من خلال الإعلام الذي احتضن تلك الرياضات والدوريات، وزرعها في اهتمام الجمهور وصنع منها أحداثا كبرى ليس فقط على صعيد منطقة أو قارة بل على صعيد العالم. وتزيد مشاهدات مبارة واحدة - كلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد - عن ستمائة مليون شخص حول العالم، كما أن مشاهدة نهائي كرة القدم الأمريكية super bowl تزيد عن مائة مليون مشاهد أغلبهم من داخل الولايات المتحدة باعتبارها لعبة أمريكية. أما كأس العالم فيشاهدها - مباريات مختلفة - أكثر من ثلاثة مليار شخص حول العالم. وهذه أرقام كبيرة جدا تعكس اهتمام الناس والشعوب بالرياضة، وخاصة الرياضات الشعبية، مثل كرة القدم.
والعقد الذي وقعه الاتحاد السعودي لكرة القدم مع شركة stc هو بلا شك عقد كبير وربما خيالي بحسابات المنطقة حيث يصل إلى 6.6 مليار ريال على مدى عشر سنوات. وهذا يحسب للفكر الاستثماري للهيئة العامة للرياضة، كما يحسب لشركة الاتصالات السعودية بوعيها الإعلامي وحسها الإتصالي وعقليتها الاستثمارية في الحدث الرياضي.
وهيئة الرياضة العامة يجب ألا تتوقف عند بيع كرة القدم السعودية لشركة الاتصالات السعودية، فيجب أن تكون هناك شروط مهنية على التغطيات الإعلامية للدوريات السعودية المختلفة في كرة القدم، ويجب ان تكون لدى شركة الاتصالات السعودية شروطها كذلك على القنوات الإعلامية التي ستبيع لها هذه الحقوق، إن لم تفكر أن تنشي لها قنوات رياضية استثمارية. فعهد الأستديو الواحد انتهى، وعهد المحللين بعدد الأصابع انتهى، وعهد التفاوت في التغطيات من ناد إلى ناد انتهى، وعهد البرامج الحوارية التي لا تعكس عمقا وأرقاما وإحصائيات وتحليلا انتهى، وعهد التغطيات المتواضعة للحدث الرياضي انتهى، وعهد ساعات بث محدودة انتهى، وعهد الإعلام غير الاحترافي انتهى.
ما نريد أن يواكب مثل هذا التحالف بين الرياضة وشركات وطنية كشركة الاتصالات السعودية هو صناعة إعلام رياضي حقيقي. وآن الآن أن نتجاوز مفهوم الإعلام الرياضي الذي تربينا عليه المحمل بالإنشائيات والآراء - كيفما اتفق - إلى إعلام رياضي نوعي ليس بعقليات قنوات محلية أو إقليمية، بل بعقليات قنوات عالمية. وما نريده فعلا ونتيجة لهذا التطور في شؤون الرياضة السعودية هو تطور كذلك في الإعلام الرياضي، الذي حسب توقعي أنه سيقود إلى تطوير كافة المنظومة الإعلامية في بلادنا.