عبدالعزيز السماري
بحسب فهمي، تدور الفكرة الأساسية للرؤية الوطنية على أن تكون هناك أهداف في المستقبل القريب، ويبدأ العمل على أرض الواقع لتحقيقها خلال السنوات القادمة، وقد تبدو الصورة واضحة في كثير من الخطط، وقد بدأ العمل بالفعل في بعضها للوصول إلى الهدف المنشود..
وزارة البيئة والمياه والزراعة جزء أساسي من هذه الرؤية، وتختلف عن بقياتها من الخدمات لأنها تمثل مصالح الأرض التي كلما تزداد خضارًا وإنتاجاً وصحة وماءً يزداد الارتباط بها، فهي الجهة الوحيدة التي تسهم أنشطتها في زيادة معدلات الاستقرار، فصاحب رأس المال يهرب بأمواله إلى الخارج، وصاحب المصنع قد ينقله أو يبعيه في سوق الخردة، لكن صاحب المزرعة والمنتج الزراعي يخدم تراب الوطن ويسهم في توطين السكان على أراضيها الشاسعة.
من خلال نظرة متأنية على نتائج مشاريع الوزارة وخدماتها على أرض الواقع تكتشف أنها غير حاضرة، وغير قادرة على تقديم حلول لمشكلات مزمنة في مجالات ثروات الزراعة والمياه والحيوان، ولنأخذ هذه المسائل الثلاث كمثال لتقييم إنجازات الوزارة.
تعتبر النخيل ثروة وطنية أولية، وتمثل العمود الفقري في معيشة الإنسان في جزيرة العرب عبر القرون، وتتعرض خلال السنوات الماضية لآفة قاتلة، وهي سوسة النخيل، ويشتكي المزارعون من هلاك نخيلهم المتواصل، بسبب وباء السوسة المنتشر في صورة كارثية في مختلف مناطق المملكة، لكن مع ذلك لازالت الوزارة غير قادرة على إيجاد حلول جذرية للمعضلة، وقد تختفي النخلة من الأرض إذا استمر الفشل في معالجتها جذرياً..
الفشل الآخر يظهر في مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي، فمشاريع التحلية تنتج أكثر من مليار متر مكعب من المياة المحلاة سنوياً، إضافة إلى مصادر المياه من الآبار العميقة، ومع ذلك لم تواكب مشاريع معالجة مياه الصرف التطور الهائل في تحلية المياه ومشاريع الصرف الصحي، فالتأخير في هذا القطاع لا يحتاج إلى برهان، ومن خلال زيارة قصيرة لإدارات الري ومراكز مياه الصرف المعالجة تتضح ضبابية الرؤية في وزارة البيئة والمياه والزراعة في هذا القطاع الحيوي جداً..
والهم الأخير في ثلاثية الإخفاق في مشاريع وزارة البيئة والمياه والزراعة الوضع الصحي للثروة الحيوانية، والتي لا توجد فيها حلول على أرض الواقع، فالحيوانات ومشاريع الثروة الحيوانية والأهالي يعانون من عدم وجود رعاية صحية وقائية أولية مؤثرة، برغم من أن الحيوانات ناقلة لبعض الأمراض للإنسان، ويؤدي هلاكها ونفوقها إلى انتشار الأوبئة في المجتمع، وهذا فصل كبير ويحتاج إلى تفصيل ودراسة من قبل المختصين.
كان أكبر مثال قريب في الذاكرة قصة وباء كورونا، وحالة الجدل حول دور الإبل في انتقال الفيروس إلى الإنسان، وصمت وزراة البيئة والمياه والزراعة المسؤولة عن صحة الحيوانات، وعدم اهتمامها بتلك الفوضى في بيع حليب الإبل وتربية الإبل داخل المدن وحواليها، وعدم فحصها وغيرها من الحيوانات عن الأمراض التي لها علاقة بالحيوان كناقل للمرض.
تابعت عبر إصدراتهم الإعلان عن برنامج الاستقصاء والسيطرة على الثروة الحيوانية، ولكن كلي رجاء أن لا يظل حبراً على ورق كما كانت مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي وميزانيات بمئات الملايين لمعالجة وباء سوسة النخيل القاتلة خلال العقود الماضية.
وزارة البيئة والمياه والزراعة لا تقل أهمية عن بقية الخدمات، بل تأتي في مقدمتها، فهي تمثل الإنسان الأولي الذي اختار أن يرتبط بهذه الأرض للأبد، وتشجيع الزراعة يجب أن يتجاوز ذلك الهلع غير المبرر من الموت عطشاً في صحراء الجفاف، فالعقل الإنساني قادر على إيجاد الحلول للأزمات، ولن تكون برامج الترشيد في معالجة الأزمات أكثر من حل مؤقت في ظل الزيادة المضطردة للسكان. والله ولي التوفيق