عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي، وفِي نفس هذا المكان، قلت إن من واجبنا في الإعلام ضرورة الاحتفاء وإبراز قصص نجاح الأجهزة الحكومية، والحمد لله أنها كثيرة وواسعة، وهذا واجب إعلامي وطني، لأننا في مرحلة مستمرة للبناء، ثم إن تعزيز المكتسبات يتحقق عبر إشاعة روح الثناء والتقدير، وكانت زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، إلى العاملين في تحلية المياه لشكرهم على جهدهم المتميز لرفع كمية المياه المحلات بدون زيادة في التكاليف، هذه الزيارة قدمت المثال الإيجابي لأهمية مبادرة القيادات لتكريم المتميزين من موظفي القطاع العام.
وإذا كان وجبنا في الإعلام تقديم الشكر، أيضاً يلزمنا متابعة (هموم الناس) وتقصي مشاكلهم التي منشأها ومصدرها الاجهزة الحكومية، فإبراز المشاكل ضروري، فقد يكون المسؤول مدرك للمشاكل ويعرفها ولكن الحلول ليست بيده، فربما بادر وخاطب (وبح صوته)، ولكن من بيده مفاتيح الحل لم يستجب وهنا يعذر، أو أنه لا يعرف بالمشكلة فالنشر عنها يفيده، أو هو يعرف ولكنه تخاذل وقصر عن القيام بواجباته، فالمسؤول يعطى المسؤولية ليكون صاحب قرار..وليس متفرجاً او مسوفاً، أو باحثاً عن (المشاجب).
اليوم سوف أتناول حالة لعدم مبادرة المسؤول واهتمامه لحل المشاكل التي يعاني منها الناس. الحالة في مدينة الرياض، وهي مصدر هم يومي ومعاناة للناس، وربما هي كذلك في مواقع أخرى وفِي مدن عديدة. الحالة في (الدوار العجيب).. العجيب في التصميم، والغريب عن اهتمام المسؤول.. أنه الدوار الذي تلتقي فيه طرق رئيسية ناقلة للحركة في شمال الرياض وهي: طريق الملك عبدالعزيز مع طريق الثمامة، مع طريق الإمام سعود بن فيصل.
في هذا الملتقى ترى حالة أقرب السريالية المبدعة في الفوضى، وأيضاً وضع مؤسف يذكرنا بعواصم الفوضى المرورية العارمة التي كنّا قبل سنوات (نتندر) عليها، ولَم نكن نتوقع أن الإدارة الحكومية البليدة سوف تأخذنا إلى الفوضى المؤلمة في شوارعنا.
في الدوار العجيب نستخلص ثلاثة أمور مزعجة. أولها المظهر (غير الحضاري) لتخاصم أهل الطريق، وهذا ضد مسار الوحدة الوطنية الذي نتطلع إلى المحافظة عليه وتكريسه، ولا يخدم مشروع السلام الاجتماعي وضرورات ترويض العنف، فالوجوه الغاضبة المتحفزة والمتوترة أو الخائفة تذكرك بأهمية (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، فالعقد الاجتماعي بين السلطان - المسؤول الحكومي وبين الناس من أساسياته تحقيق الحق والعدل بين الناس في مختلف شئون حياتهم، والعدل بين العباد في الطريق أهم من العدل بين الخصوم في المحاكم، بل أهم وأمضى، فالعدل بين الناس في الطرقات والأماكن العامة حاله يومية تجعلهم يطمئنون على معاشهم، وترفع (رضاهم الوطني)، وتجدد ثقتهم بأنفسهم وينصرفون إلى ما ينفعهم عندما تستقيم الأمور التي تساعدهم في معاشهم، وبالطبع من الأولويات لحياتهم الأمن في الطريق.
الأمر الثاني نجده في الضرر الذي ينشأ من التلفيات التي تتعرض لها المركبات بسبب الحوادث اليومية المستمرة، وأيضاً في ما يترتب على تعطيل الطرق بسبب الانتظار الطويل حتى يأتي من يُثبِّت الحالة. بعد تنازل المرور عن مهمة التدوين لـ(شركة نجم)، ارتفعت ساعات الانتظار وأصبح مدير الطريق الحقيقي متفرج، مع الأسف، وكان معاناة الناس لا تهمهم!! أملنا كبير بسمو وزير الداخلية أن يريح الناس عبر إدخال القطاعات الأمنية المطبقة للنظام لتفصل في الحوادث، على الأقل (توثق الحادثة) عبر التصوير ثم ترفعها الى (نجم)، وهذا سوف يقلل حالات الزحام التي يعاني منها الناس.
الأمر الثالث الذي يخص الدوار العجيب هو في ضرورة مبادرة أمانة الرياض ومرور العاصمة بوضع خطة عاجلة لرفع كفأة الادارة لمعالجة الفوضى القائمة، فالحلول الجذرية بعيدة المدى عبر الجسور والأنفاق تحتاج اعتمادات مالية كبيرة، ومع الأوضاع المالية الحالية قد تتأخر الأموال سنوات، وليس من العدل مع الناس ترك الأمور بدون حلول، بالذات تخفيف الآلام أوقات الذروة. الناس تريد الحد الأدنى من الحلول، وهل هذا كثير بحق الناس التي تعاني.
نتمني من المسؤولين في الأمانة والمرور أن يكونوا مبادرين للتصدي للمشاكل، بالذات التي (ترفع التوتر) للناس، فواجب أي مسؤول حكومي أن يضع هذا في أولوياته، والحلول المبدعة غالباً تأتي بأقل الإمكانات، وسبق لأمانة مدينة الرياض أن حلت الكثير من الاختناقات المرورية عبر جراحات بسيطة في الطرق.
الدوار العجيب فعلاً حالة دراسية، حالة في غياب علم (هندسة المرور والنقل)، وحالة صارخة تعكس تضارب الصلاحيات في إدارة المدن، فالخدمات التي تديرها عدة قطاعات، كما هي حال مدننا، لن تنهي مشاكلها ومعاناتنا، والحمد لله على كل حال.