فوزية الجار الله
(انتهى كل شيء.. كانت الريح القارسة تسوق قمامة الأوراق في شوارع بطرسبورغ الخالية الراكنة إلى الهدوء - مزقاً من الأوراق العسكرية، وإعلانات المسارح، ونداءات تحث الشعب الروسي إلى التمسك «بالضمير والوطنية». كانت مزق الأوراق الملونة بلطخات عجينة اللصق الجافة عليها تزحف بخشخشة منحوسة دارجة على الأرض مع حلزونيات الثلج المتولدة عن الريح الأرضية)..
هذه العبارة تصدرت رواية «درب الآلام» المترجمة إلى العربية، للكاتب الروسي ألكسي تولستوي، الذي علمت مؤخراً بأنه يختلف عن الكاتب الروسي الآخر الشهير الذي اقترن اسمه برواية «الحرب والسلم» لأنه هو مؤلفها والكاتبان يشتركان في الجنسية وفي الاسم، الاثنان ينتميان إلى الأدب الروسي الذي قدم كثيراً من الأدباء العظماء منهم نيكولاي جوجول الذي عاش مابين عامي (1809- 1852)، (جوجول إنسان غريب عجيب، عاش حياته عبداً لسوداوية قابعة في أعماقه.. قدم جوجول الكثير من الأعمال من أهمها مسرحية مفتش الحكومة وقصة «المعطف» التي قال فيها الكاتب ترجنيف «لقد خرجنا جميعاً من تحت معطف جوجول»، أي إن جوجول في قصته هذه كان معلماً لخلفه من الكتاب القصصيين.. وقصة «المعطف» تتحدث عن موظف بسيط قضى سنوات يحلم باليوم الذي يستطيع أن يشتري معطفاً جديداً، وأخيراً استطاع أن يوفر ثمن معطف، ولكن المعطف سُرق في المساء نفسه الذي اشتراه فيه، السطور السالفة عن جوجول صادفتها في كتاب (أدباء وفنانون متمردون) الصادر في عام 1993م للدكتور محمود السمرة، الذي قال عنه د. إحسان عباس في تقديمه للكتاب: ولهذا الكتاب فضل كبير علي فقد حفزني إلى الاستزادة من المعرفة والاستمتاع بمطالعة أشياء جديدة.. حتى يقول ( وقد ردني كتاب محمود إلى التأمل في أدبنا واستقراء قسماته الغاضبة، أليس كل أديب غاضباً بمعنى من المعاني؟ لقد كان المتنبي غاضباً وكذلك كان أبو العلاء، وغيرهما كثير، ولكن استوقفتني في أدبنا كثرة التعبيرات عن الغضب «المحيط» من مثل قولهم «غضب الخيل على اللجم» أو «غضب الأسير على القيد»..)
أود الإشارة هنا بأن الدكتور محمود السمرة، قد عمل في مجلة العربي الصادرة في عام 1958م نائباً لرئيس التحرير ولم يتجاوز حينها الخامسة والثلاثين من العمر/ إلى جانب رئيس التحرير المصري أحمد زكي الذي كان في منتصف عقده السابع. وقد عُرف السمرة بالباب الشهير في المجلة «كتاب الشهر». ظل يعرض فيه كتاباً من ثمرات الفكر الغربي كل شهر. وذلك حتى العام 1964 الذي غادر فيه «العربي» الى العمل في الجامعة الاردنية، أصدر السمرة عشرات المؤلفات من بينها كتاب سيرته الأخير: «إيقاع المدى» إضافة إلى تأليف كتابين عن الصراع العربي الاسرائيلي هما «فلسطين الفكر والكلمة» و«فلسطين أرضاً وشعباً وقضية».