يظل السؤال يتردد مراراً وتكراراً على السَّاحة وتظل الإجابة تحمل طابع الحيرة فلا مجيب لأسئلة باتت تراوح مكانها فلا يمكن فك رموزها الصعبة ولا تطويع معادلاته الأصعب فإن الشريعة الإسلامية السمحة قد ارتقت بقوانين البيع والشراء إلى درجة عالية من المثالية، حيث أمرت البائع والمشتري أن يتعامل بالصدق والأمانة وعلى حسن السمعة دون أن يستحل أحدهما حق الغير حتى ينال الكل شرف المعاملة والنزاهة وبذلك تتحقق بينهما كل من الثقة والبركة بفضل التحلي بالورع والابتعاد عن الطمع والجشع أحياناً كما قال الشاعر الحكيم:
أحب شيء إلى نفسي معاملة
كسب العميل فنأتيه ويأتينا
يا ليتني إذ أبيع الشيء مكسبه
المشتري كل دينار بعشرينا
فإن الأعمال الطيبة في الغالب قاصرة على أربابها أما الأعمال السيئة ذات النتائج المؤلمة والمحزنة فإنها تنتقل أعراضها على ساحة البيع والشراء بأسرع وقت ممكن، حيث إن ظاهرة ارتفاع الأسعار التي تحدث على الساحة بشكل دائم ومستمر فإن طرف المعادلة مؤهل للاستجابة وأن الوسائل الناقلة للأخبار يقابلها آفاق رحبة ويستقبلها أرض خصبة وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن هناك حالات تشكل في مجملها جزءاً من العوامل التي تساهم في ارتفاع الأسعار وتدعم أسبابه وتغذي استمراره وهذه الحالات أحياناً تكون خارجة عن سلطة الدولة بوصفها حالات قصور فرضتها عوامل خارجية فإن ارتفاع الأسعار يعتبر أحياناً ظاهرة عالمية على الساحة الدولية ويعود لأسباب دولية تتحكم فيها ظروف كل دولة مستهلكة إلى جانب الاعتبارات السياسية والاقتصادية وما يكتنف هذه الحالة من تداخل الإيجابيات مع السلبيات وانسجام المصالح تارة وتعارضها تارة أخرى ناهيك عن بعض الأمور البعيدة والاعتبارات القائمة والقادمة فإن حدوث المواقف السياسية والإجراءات الداخلية في كل دولة من الدول جانب من المنغصات التي ينجم عنها ارتفاع الأسعار وخاصَّة السلع ذات السمة الحرجة؛ ويتوقف هذا الأمر على مكانة كل دولة ودرجة أهميتها وموقعها الجغرافي وثقلها السياسي ووزنها العسكري وحجمها الاقتصادي.
وتدخل هذه الحالات ضمن إرادة الدولة وحدود مسؤوليتها -ومن يدعي أنه من أصحاب التجارة فإن الطمع بالنسبة لهؤلاء يحل تدريجياً محل الورع وتبدأ ممارسات التحلل من بعض الفضائل والالتفاف على مبادئ وقيم أبجديات البيع والشراء وذلك بسبب حب المادة وطغيان المصالح الخاصَّة على المصالح العامَّة.. فقد قال الشاعر الحكيم:
أقلب طرفي لا أرى غير تاجر
يفكر في أسواقه كيف يكسب
وبناءً على ذلك فإن ممارسة التجارة بشكل عام تشكل بيئة مثالية للمعاملة والتعامل وهذه التجربة تجعل المتعاملين على المحك وتضعهم في المعترك ولكنهم سرعان ما يتحول كل فرد منهم إلى شخص جشع لا يتورع عن كبائر الأمور ولا يتحرج عن التعاطي معها وهذا الصنف من الناس يغلب عليه الهوى ويغريه حطام الدنيا محاولاً بقدر الإمكان جمعها كيفما كان حتى لوكان الأمر على حساب دينه ومروءته بحيث يعتمد على الفطنة تارة والتغافل حيناً والذكاء والتحايل حيناً ومن هذا الأمر فإن الطمع يكون بديلاً للورع حتى ولو كان على حساب الدين ومصلحة الوطن.