الإنسان كائن اجتماعي ومدني بطبعه كما يقول الفيلسوف اليوناني ( أرسطو) فهو لا يقدر أن يعيش بمعزل عن مجتمعه, ولا يستطيع أن يحيا في أي مجتمع دون أن تربطه به علاقات إنسانية وبقدر ما يظهر الفرد هذه العلاقات بقدر ما يكون قادرًا على أن يعيش أكثر راحة وأمنًا واستقرارًا, وأكثر سعادة ورفاهية في حياته الاجتماعية.
ومن المعروف أن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية مؤسساته الخاصة به لتحقيق الوعي العام والضبط الاجتماعي، وهذه المؤسسات تتميز بالنسبية لأنها تتوقف إلى حد كبير على طبيعة المجتمع ذاته, وظروفه الخاصة، ومدى بساطته, أو تعقده ونوع الحضارة السائدة فيه, وما إلى ذلك. فما تعد مؤسسة ناجحة من المؤسسات الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية. قد لا تعد كذلك في مجتمع آخر, وهذه المؤسسات في جملتها تهدف إلى إعداد الفرد إعدادًا شاملاً وواعيًا لمواجهة مشاكل وهموم المجتمع بثقة وهدوء وسيطرة. وأيًا كانت مشكلات البيئة فإنه لا يمكن حلها ومعالجتها بالاعتماد على حلول ذات سمة تكنولوجية محضة. على الرغم من أهمية الكفاءات التكنولوجية في واقعنا المعاصر, غير أن الأمر يقتضي أيضًا وعلى الأخص التصدي للعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي يعزى إليها نشوء هذه المشكلات البيئية، فالمؤسسات الاجتماعية لها تأثير مباشر وحاسم في حماية وتنمية البيئة الطبيعية والاجتماعية من خلال توعية أبناء المجتمع، خاصة مع تزايد مخاطر المشكلات البيئية في العصر الحديث، بل والكوارث التي صنعتها أيدي الإنسان طلبًا للتقدم والتطور حتى إنه لم يعد باستطاعته أن يتعرف عليها لما حملته من مخاطر أفقدته إنسانيته قبل بيئته، وبالتالي هددت هذه الإفرازات حياته في الحاضر والمستقبل, ولهذا تعاظم الوعي البيئي وبشكل واضح كبداية في العديد من التحذيرات نبهت إلى خطورة تزايد معدلات التلوث البيئي وانعكاساته السلبية على صحة وعافية الإنسان, وسلامة بيئته. ولهذا تقع مهمة توعية أفراد المجتمع وأطيافه ونشر ثقافة الوعي البيئي وأهميته في المحافظة على البيئة ومصادرها الحيوية على مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومجالاتها البنائية, وهي الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الثقافية والجهات المعنية بشؤون البيئة.
وبالطبع لا يمكن الحفاظ على البيئة إلا إذا تعلم الفرد كيف يكون متحضرًا ومهذبًا وواعيًا في كل ما يصدر عنه من ممارسات وسلوكيات نحو الأم الحنون (البيئة), ولا مناص أن جوهر هذه السلوكيات هو (الوعي) الحضاري الكامن داخل الإنسان والذي ينطلق منه السلوك سواء كان إيجابيًا, أو سلبيًا نحو البيئة. وتحتاج عملية بناء الوعي لدى الأفراد إلى جهود متواصلة, وخطط إستراتيجية, وصياغة سياسة اجتماعية مؤسسية تنطلق من عملية تكامل وانسجام أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية وإلى خطط علمية مدروسة, وإجراءات واعية, حتى يمكن تنمية السلوك الحضاري المجتمعي، وتعميق القيم البيئية الواعية على نحو يساهم -ميكانيكا-في المحافظة على البيئة وحماية مكوناتها من التلوث وأمراضه العصرية.
ولذلك، فان لمؤسسات التنشئة الاجتماعية دوراً حضارياً ومنطلقا أخلاقيا في حماية المجتمع ومكوناته من التلوث من خلال زيادة الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع, وتحقيق التربية البيئية المعاصرة, حيث إن أساليب التنشئة الاجتماعية للأفراد وعملياتها المختلفة لا تؤديها فقط الأسرة, وإنما تؤديها العديد من المؤسسات الاجتماعية وهي: المؤسسات التعليمية, والمؤسسات الإعلامية, والمؤسسات الدينية, بالإضافة إلى دور الأنظمة والقوانين البيئية في عملية الضبط الاجتماعي (بيئياً), وبما أن الأسرة إحدى المؤسسات الرئيسية التي يتكون منها البناء الاجتماعي, ولها وظائفها الحيوية في مجالات التنشئة الاجتماعية, والضبط الاجتماعي فهي تقوم بتحول الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي له شخصيته الاجتماعية التي تتشكل في مختلف المعايير, والقيم وأساليب السلوك الاجتماعية, ونمط التفكير الإيجابي من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية، وهي أيضًا تلعب دورًا فاعلاً في مجال توجيه الطفل نحو السلوك البيئي المرغوب. وتكوين الإدراكات البيئية السليمة والخُلق والضمير البيئي لديه, بشرط أن تكون الأسرة ذاتها قد اكتسبت الاستعدادات البيئية السليمة عن طريق التدريب الاجتماعي والتوجيه الحضاري الذي مرت عليه عشرات السنين, أو مرت عليه لفترات تاريخية طويلة، ولا مناص من أن الاهتمام بالتنشئة ومكوناتها الحيوية هو اهتمام حديث في العالم المعاصر, وكذلك الاهتمام بالوعي والتربية البيئية لم يأتِ إلا بتحقيق تدريب الأسرة تدريبًا بنيويًا سليمًا بالذات في المجتمعات الصناعية الغربية بعد أن مرت فترة كافية إلى أن أصبحت الأسرة في هذه المجتمعات المتقدمة وحدة اجتماعية مدربة تدريبًا سليمًا من حيث الوعي بأهمية البيئة وضرورة المحافظة على مصادرها الطبيعية, ومواردها الحيوية, ولذلك فإن الأسرة في هذه المجتمعات الواعية أخذت على عاتقها وفي ظل شدة رياح التلوث البيئي عالميًا بتربية أبنائها على السلوك البيئي الحضاري، وتعميق اتجاهاته التربوية والأخلاقية والقيمية,كما أن المؤسسات التعليمية (المدرسة والمعاهد والجامعات) تأتي بالمرتبة الثانية بعد المؤسسة الأقوى تأثيرًا الأسرة من الناحية البنائية والوظيفية, وتحتل مكانة مهمة في مجال تنمية الوعي البيئي وتحقيق أهدافه التربوية بحيث تعكس الحاجات الاجتماعية للبيئة، وتحاول إكساب الطلاب والطالبات العادات السليمة, والاتجاهات الأخلاقية الحميدةوتعزيز القيم الحضارية التي في ضوئها يمكن تحقيق حماية البيئة والمحافظة عليها وصيانتها وإنمائها, ولذلك فإن دور الطلاب والطالبات في حماية البيئة يبدأ من حمايتهم لمدرستهم, أو مؤسستهم التعليمية, ومن مظاهر ذلك, المحافظة على نظافة المدرسة, وحماية المرافق وممتلكاتها من العبث والفساد والتخريب, والمشاركة في البرامج التوعوية, والأنشطة التربوية, وتنظيم الفعاليات الاجتماعية الفكرية التي تكسب الطلاب من كلا الجنسين المهارات والمعارف والاتجاهات التربوية والقيمية الأصيلة بما يساهم في النهوض بقالب الوعي البيئي المدرسي, وتحقيق الأهداف التربوية المنشودة في هذا الاتجاه الأخلاقي (مجتمعيا). كما أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى.. وهي المؤسسات الإعلامية والثقافية, والمؤسسات الدينية والتربوية لها حراكا بنيويا, ودورا تنويريا في رفع مستوى (الوعي) البيئي والأسري والمجتمعي، وبالتالي حماية المجتمع من مظاهر التلوث, والمحافظة على صحة الأم الحنون والصدر الرؤوم (البيئة) ومواردها الحيوية بوعي وقيم واعتدالية.