الأولى
دعاني شخص كريم صديق عزيز لمرافقته في جولة سيقوم بها في مناطق المملكة، فذهبنا من الرياض (الملموس) إلى الطائف (المأنوس)، ومكثنا -(هو) و(أنا) وابنه وصديقه وصديقاه- في بيته هناك يومين، ورافقنا (موتران) جيبان يابانيان لحملنا، ثم قرر النزول إلى تهامة:
إن تتهمي فتهامة وطني
أو تنجدي فالهوى نجد
ولكن أي الطريقين نسلك؟
الأول: عقبة المحمدية، وهي جديدة ظلت سنوات دون أن تنجز ثم أنجزت، تنزل من الشفاء إلى تهامة، نزلت معها أنا وابني بدر حتى وصلنا (الأرض)، ويتجه منها طريق إلى مكة حيث يلتقي بالطريق القادم من الساحل.
وخطرها يكون وقت الأمطار حيث تهبط الأحجار من جانب الجبل الشاهق.
الثاني: عقبة كرا المعروفة، وهي التي اختارها (المعازيب) ونزلنا معها ثم أخذنا طريق غير المسلمين، وفي منتصفه تقريبًا أخذنا طريقًا يتجه يساراً إلى الجنوب قاصدًا الساحل.
مررنا بمشروع استزراع الربيان والسمك لسليمان بن عبدالعزيز الراجحي وشريكه وأكرمونا، واطلعنا على المعرض العجيب، ورأينا أشياء ومعلومات لم نكن نعرفها من قبل، ثم مررنا بمدينة الليث.
وعلى فكرة كان سعد بن محمد بن مقرن -رحمه الله- أميرًا في الليث سنوات عدة، وهو من (القرينة)، وكان يرسل قصائد يتمنى فيها نجدًا، نشرت في ديوانه (ديوان سعد بن محمد بن مقرن) المطبوع، وهو بعد السفير الشبيلي في الكرم.
غادرنا المشروع إلى مدينة القنفذة، وبتنا في فندق لا بأس به.
وفي الليل قررنا أن نستمتع بالبحر ففوجئنا بمعظم سكان القنفذة (إن لم أقل كلهم) عن بكرة أبيهم (عن بكرة آبائهم وأمهاتهم) مستمتعين بالجلوس بجانب البحر، وكدنا لا نجد مكاناً لأن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وصباحه السبت بقية عطلة نهاية الأسبوع التي يسميها محبو لغة الخواجات (ويك إند).
في الصباح غادرنا مدينة الوزير محمد سرور الصباح (القنفذة) إلى مدينة (المجاردة) وليست في الخارطة التي معنا.
ثم توجهنا إلى مدينة محايل الكبيرة الجميلة وبتنا فيها في نُزُل (بدول) الذي أسميه البندول حين لا يحضرني اسمه.
وهنا أمامنا طريقان: 1- طريق الساحل يمر بـ(القوز) و(برك) ثم الساحل التابع لعسير وفيه فندق وشواطئ (القحمة) ثم (الشقيق).
2- أن نستمر في طريقنا في سفح الجبل حتى نصل مدينة (الدرب) وهذا هو الذي سلكناه.
ومن الدرب اتجهنا إلى مدينة جازان مروراً بمدينة بيش وواديها وسدها ولكن داهمنا الوقت كما يقول المذيعون والمحاورون وسلكنا طريقًا كتب في أوله أنه إلى البحر، ولكن تبين أنه قبل طريق بيش، وكانت فرصة لننعم بالبحر ودفئة والسياحة فيه.
إلى جازان
وصلنا المدينة، وعهدي بها قبل عقود، فيها فندق (حياة) الاسم الجميل في وسط المدينة، ولكن (أبو عبدالله) وجد فندقًا جديدًا جميلاً خارج المدينة مطلاً على البحر هو فندق (ريدسن بلو) بتنا فيه ليلة مريحة.
زرنا جبل فيفا وجزيرة (أحبار) ثم ودعنا سياراتنا وركبنا الجو وطرنا إلى نجد العذية.
(يا ريتني طير لا طير حواليك).
والسلام عليكم ورحمة وبركاته
الثانية
الرحلة الثانية التي أشرت لها في عنوان المقال هي رحلة لمدينة (الحريق) جنوب مدينة الرياض قرب مدينة حوطة بني تميم والحلوة ونعام والمفيجر.
وهناك بلدة اسمها بالحروف نفسها: (أل) التعريف ثم أربعة حروف (ح) (ر) (ي) (ق)، إلا أن الفرق بين الاسمين أن صاحبتنا (أقصد صاحبة الحمضيات) من دون تشديد الياء، أما البلدة التي في محافظة الوشم شمال القصب فهي بتشديد الياء. هذا هو الفرق بين الاسمين وإحداها أكبر من الأخرى، وأحيانًا في الصحف ووسائل الإعلام لا يضعون شدة على ياء بلدة الوشم، فتكون (اللخبطة)، كما يحصل في عمّان الأردن وعُمان السلطنة.
ومثل ذلك روضة سدير وروضة حائل، وكذلك حوطة سدير وحوطة بني تميم.
وقرب الحريق (دون تشديد) بلدة نعام ولها شهرة، ومن أبنائها مؤلف قديم.
ويتعلق بها البيت العامي المشهور الذي يوحي بشهرتها في إنتاج التمر:
يعوضك في هَجَر إلى قلّ تمره
وادي بريك وملهم ونعام
وأحد أبناء ملهم يصر على تقديم ملهم على نعام، فقلت له ليتك أبلغت الشاعر برغبتك قبل أن يقول البيت بعد أن تكرمه بقلّة تمر أو على الأقل خصفة.
عفوًا لهذا الاستطراد.. خرجنا من الرياض متجهين جنوبًا مع طريق الحاير الجديد الذي أراح المسافرين إلى جنوب الرياض الحوطة والحريق والأفلاج والسليل ووادي الدواسر (وادينا) وقرية الفاو ونجران وتثليث وعسير، أراحهم من الطريق القديم الذي يمر قرب السيح وقرب الهياثم والدلم والمحمدي والصحنة بإشاراته ومطباته وبُعْدِه.
وهذا الطريق الجديد الذي (ينصا) الحوطة وما بعدها تتفرع منه طرق فرعية، آخرها طريق الحريق الذي لم ينته بعد، وقد سلكته بحسب اللوحة أنا وأولادي قبل نحو سنة لنرى الطريق الجديد فوجدناه ترابيًا لم يسفلت بعد بل لم يمهد منه إلا القليل فسرنا فيه، ولم نجد طريقًا ننزل معه إلى وادي الحريق، فاضطررنا للاستمرار فيه فرجع بنا تجاه الرياض.
أما هذه المرة.. مرّة مهرجان الحمضيات فقد وجدنا بعضه مسفلت، ولكننا رجعنا أدراجنا خوفًا مما حصل لنا في المرة السابقة، ووصلنا الحوطة ومنها اتجهنا للحريق مروراً بنعام والمفيجر.
وجدنا المهرجان على أشده (وكان مضى على افتتاحه من قبل أمير الرياض يومان) يعج بالنشاط والحركة والبيع والشراء.
وفيه من الفواكه (الحمضيات) البرتقال العادي/ والبرتقال الدمي (لونه من الداخل أحمر كالدم)/ ويوسف فندي (رحم الله الشيخ البواردي)/ والليمون/ والترنج (المؤمن كالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب) حديث شريف، ويوجد في المهرجان قسم للعسل (النقي وغيره) وقسم للتمور، ومشتل ضخم فيه الكثير من الأشجار لزراعتها.
العودة إلى الرياض
قررنا العودة إلى الرياض ولكن عن طريق غير الطريق الذي قدمنا منه، فسلكنا طريق الحريق-الرين الذي أنجز قبل سنوات (نحو 150 كيلاً) متجه غربًا، وقبل أن نغادر جبل طويق جاءنا طريق يتجه شمالاً مسفلتاً فقلنا لعله يتجه إلى الرياض أقرب من الذي بعد الجبل، ولكن -وما أقسى ما بعد لكن- لما سرنا فيه نحو 40 أو 50 كيلاً وجدنا الطريق مغلقًا وقيل لنا لا بد من العودة، فعدنا وقلت ليتهم كتبوا في أوله الطريق مغلق، ليت وهل ينفع شيئًا ليتُ..
رجعنا إلى طريق الحريق - الرين فلما انتهى جبل طويق وجدنا طريقًا يتجه إلى الرياض فأخذناه أو أخذنا، وجلسنا فوق رملة وأكلنا ما تيسر من فواكه الحريق، وتقهوينا.
صلينا المغرب والعشاء في بلدة أو هجرة لعلها (حفيرة نساح) أو نحوها.
ووصلنا الرياض ولكني (نسيت) كيف وصلنا وعلى أي طريق لأن الليل عيونه صغار بل زاد بعضهم ليس له عيون بالمرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.