عبده الأسمري
لدينا أزمة أزلية في المفاهيم تتعلق بالصفات والصلاحيات والمسؤوليات والعطاءات وترتبط مع المصلحة الشخصية وتتعاكس مع رحمة الآخرين وتتعارض مع الشفافية وتتأرجح بين أخطاء الذات وسوء الفهم والعزة بالنفس والاعتزاز بالنرجسية.
الأمثلة عديدة ولكنها تظل نماذج قد تكون الأكثر حدوثا والأعلى انتشارا والأشمل تواجدا.. سأسرد بعضها وسأتطرق إلى ما يؤكد أن لدينا تعارضا نفسيا واختلاف اجتماعيا مع المفاهيم وفق طبيعتها وكينونتها.
لدينا أزمة في معرفة مفهوم الخير فهنالك رجال أعمال يدعمون جمعيات ومشاريع بالخارج وتجدهم يوزعون الأموال في «أمور تافهة «بالداخل للأسف بينما الأقربون في «احتياج» حتى أن بعض هؤلاء «المتوهمين بفعل الخيرات» يرفض شفاعة لمساعدة أسرة أو سداد فاتورة كهرباء أو دفعة إيجار منزل أو شراء ثمن دواء... بينما يدفع أضعافها المضاعفة بالخارج في جهات تعد خياراً بديلاً فيما لو كان الأقرب مكتفيا فيما يصرف بالداخل على مناسبات ومهرجانات ضعف ما يتطلع إليه «محتاجون على قوائم الانتظار بالجمعيات» بحثا عن دفاية تقيهم البرد أو دواء عاجل لمسن أو شراء كرسي لمعاق أو سداد مصاريف أسرة.. وعلى النهج ذاته نرى شيوخا لدينا يقدمون البرامج الدينية الفضائية في دول شهيرة بالدعاة فيما شبابنا يحتاجون توجيها وأسرنا تتطلع لإرشاد يوازي التحديات والفتن وبشكل سلس ومبسط بعيدا عن التعقيدات واستقبال الاتصالات والفتاوى التي باتت إجاباتها متوفرة في كل مكان ومواقع الإفتاء وقنواته الصحيحة تملأ الأجهزة ولها طرقها الموضوعية «أنها أزمة مفاهيم بكل تفاصيلها تخص الخير».
يقضي بعض الوزراء وقتا طويلا في صناعة خطط جديدة لتحقيق أهداف الوزارة وتمر السنون فتتجلى أزمة حقيقية مع مفهوم «الإستراتيجية» لأنهم لم يدرسوا الأخطاء السابقة وعلاج الظواهر المزمنة ووضع حلول لها حتى يتسنى لهم التغيير والابتكار والتطوير فتجد أنهم يضعون حلا ولكن النتائج غير منفذة وبالتالي فنحن أمام «أحاديث وتصريحات» دون ملامسة الأهداف كواقع.
في التعليم لدينا أزمة كبرى مع مفهوم «العلم والتعلم» ترتبط بالحشو والتلقين ونيل الشهادة بعيدا عن المفهوم الأساسي وهو صناعة أجيال مفكرة مبتكرة تمارس التجديد وتوظف مهاراتها ومواهبها لخدمة المجتمع والوطن.
في الإدارات الحكومية يرتبط مفهوم «الخدمة» بغلبة المواطن وقهره «أحيانا» بينما المفهوم الصحيح أن تصله الخدمة دون عناء أو كبد.
في الحوار تتعالى الأصوات وتتقافز الأنانية علنا امام مسرح الحديث ويحل الجدل ويطغى الجدال ليخرج عن مساحات اللباقة والتهذيب فتتشكل ملامح العصيان على المنطق كل ذلك لان مفهوم «الحوار» في منأى عن الفهم الذاتي.
مفاهيم عدة لدينا سواء في العمل أو الحياة أو التعامل أو التعاطي الاجتماعي ترضح لسوء الفهم وتنضخ بالجهل لأساسيات معاني المفهوم على طبيعته وأصله والهدف منه كل ذلك بسبب طغيان المصالح الشخصية وتغليب نداء الأنا وترجيح كفة الذاتية مما جعل لدينا «أزمة « علنية وتأزم نفسي.. لذا من الأجدى أن تدرس المفاهيم وأن يتعلم الإنسان من تجارب الحياة ما يجعله متواءما مع المفاهيم السليمة وأن يمارسها بعقلانية وأن يقف من الآخرين بذات المسافة وأن يكون متصالحا مع نفسه ومع الغير حتى نسمو بالتعاملات ونرتقي بالمعاملات ونشكل مجتمعا «راقياً سامياً» بمفاهيمه وفهمه.