رقية سليمان الهويريني
يعشق كثير من الناس الخروج للنزهة البرية، وقد يبيتون أياماً هناك ويستمتعون برغم بساطة الحياة ومظاهر التقشف وقلة التكاليف.
وقد تأملتُ في هذا الشأن كثيراً لمعرفة سبب المتعة ومدعاة الاستمتاع، فتوصلت إلى أن القلة والبساطة سرٌّ من أسرار السعادة التي ينشدها الفرد، وتتضاعف عنده حين يشاركها الجماعة؛ لسبب بسيط وهو أن القلة مع الرضا تولد البركة. ولو يعلم الناس ما للبركة من حسنات لكانت لهم هدفاً ومنشوداً! فالبركة ما حلت في قليل إلا كثرته، ولا في كثير إلا كان ذا فائدة، ولا في مذاق إلا تضاعفت حلاوته، ولا في وقت إلا زاد اتساعه ومثلها في الجهد وكفاية المال وصلاح الأبناء ونفع العلم وإحاطته.
والبركة قيمةٌ معنوية غير ملموسة لا تُرى بالعين المجردة ولا تُقاس بالقدَر ولا تحويها الخزائن. هي إحساس إيجابي يشعر به الإنسان ويكون مغتبطاً ويظهر على سلوكه وتصرفاته فيراه الناس سعيداً برغم بساطة شكله وتواضع ملبسه.
وليست البركة أمراً فطرياً يولد مع الإنسان، أو يرثه من أبويه، بل إنه حال مكتسب يحتاج مراناً ومناضلة، وقد تجد في الأسرة الغنية - ذات مظاهر النعمة - فرداً متواضعاً ينشد البساطة في حياته ويبتعد عن المظاهر والشكليات ويهوّن من أمور الحياة، فهو أبداً يبذل مجهوداً لمقاومة البطر والاستعلاء الذي يحيط به من لدن أسرته المترفة، فترى البركة تحفه، والمحبة تلفّه، بعكس الغنى والنعمة التي تأتي بلا جهد حين يرثها من أسرته ولا يقاوم سلبياتها.
ولأن البركة مكتسبة؛ فطالما بذلت أسرنا جهوداً لتدريبنا على الرضا بالقليل، وتهوين أمور الحياة المادية وتبسيطها والتخلي عن المظاهر، فتجد الأهل يرددون عبارة «ما هان تبارك».
لذلك حين تجتمعون على طعام قليل ولكنه مريء، أو تجلسون مع شخص بسيط فلا تملوه أبداً؛ فإن السر بالبركة، فادعوا ربكم أن يجعلكم مباركين أينما كنتم، واسألوه البركة لتسعدوا.