خالد بن حمد المالك
لا يوجد بيننا من يسلّم بخطأ رأيه وصواب رأي غيره، إلا في أضيق الحدود، ودائماً ما يتمسّك كل منا بوجهة نظره، ويدافع عنها، وينّزهها من أي عيوب، ويصرّ على سلامتها، وينادي الآخر بقبولها دون أن يُعطي الفرصة لها للمفاضلة، والترجيح، ووضعها في سلم الحوار المبني على الحقائق والأرقام والتجارب المماثلة.
* *
هذه الصورة لحقيقة التجاذبات بين الناس؛ سواء عبر شبكة تويتر بجميع منصاتها، أو عن طريق الحوار المباشر حول قضية ما، يفترض أن تخضع لأكثر من وجهة نظر، وأن يكون لها ما لها من الحسنات والعيوب التي تبرر مبدأ الاختلاف حول جوانب أو زوايا فيها، بما يجعل من النقاش إثراء لها بمعلومات ربما كانت مغيبة عن هذا أو ذاك.
* *
ولا يعيب المرء أن يكتشف أنه كان على خطأ، أو أن تقديراته لم تكن صحيحة بالمجمل، حتى وإن كابر هذا الإنسان وعاند وتمسَّك برأيه، دون أن يعطي للآخر فرصته في مناقشة هادئة تفضي إلى نتائج محسوسة ومحسوبة، وقد تختصر حدة النقاش، وتضعه في زمن أقل، في الإطار المطلوب، بالزمن الذي يستحقه، دون زيادة أو نقصان.
* *
المناقشات - كما نراها- ليست ظاهرة صحية حين نصل بها إلى مرحلة المناكفة والعناد وفرد (عضلات الرأي) فهي كما قيل من قبل مناقشات (بيزنطية) مفرّغة من أي محتوى أو جدوى، بل إنها مضيعة للوقت والجهد، وقتل لإمكانات؛ فكرية وعقلية، كان يمكن الإفادة منها بغير ما قد يكون استنساخاً لكل الحوارات العقيمة التي تجري بتوسع مع تعدد منصات وسائل الإعلام.
* *
تعدد وجهات النظر، والتباين في الآراء بين هذا وذاك، وفتح المجال لمساحة أكبر للتعبير الحر عن اقتناعنا شيء طيب ومطلوب، ومثل ذلك فإن الفضاء متى ما اتسع لقبول ما نعبّر عنه بصدق وإخلاص، فإننا نكون عندئذ نتنفس في أجواء قد يولد منها الرأي والرأي الآخر، في أجواء من الحرية، ولكن بموضوعية وصدق، وعلى قدر المسؤولية الملقاة على عاتق كل منا.
* *
فالحرية إذن مطلوبة، وهي ضمن طقوس الآراء المؤثّرة إيجاباً في حياتنا، لكن حين نخطئ في الفهم والاستيعاب والمعرفة بحقيقة المدلول لها، ونشطح في تعريفها، ونتعامل معها بما لا يقرّبنا منها، فإن مناخ الحرية عندئذٍ ولو كان في هامش محدود جداً لن يتوفر لنا، ما يعني أننا سنظل ندور في حلقة مفرغة في كل مناقشاتنا.
* *
أكتب هذا، وأتمنى على المغرّدين تحديداً، أن يكتبوا لنا شيئاً جميلاً يزيل الغبار عن آراء بعضنا، ويقرّبنا أكثر إلى المفقود من الآراء التي نحتاج إليها، فما أصعب على المرء أن يصبح ويمسي على كلام رخيص لا يثمر ولا ينتج عنه إلا مزيد من الأحقاد والخلافات، وجعل كثير منا في حالة ارتياب من الآخر.